الزواج
المدني في لبنان
(الحكم الصعب)
الدكتور
أكرم حسن ياغي
أستاذ
مواد الأحوال الشخصية والوصية والإرث
في
الجامعة اللبنانية
إن النقاش المتعدد الوجوه (القانوني، السياسي، الاجتماعي، الديني... إلخ)
الذي أثاره ويثيره طرح موضوع الزواج المدني في لبنان، واتساع دائرة هذا النقاش
ليشمل مختلف شرائح الشعب اللبناني، وبالنظر إلى أهمية هذا الموضوع لجهة ملامسته
أهم أوجه الحياة، وبالرغم من أنه قد طُرح سابقاً من خلال عدّة محاولات قام بها
البعض([1])، إلا أن هذه المحاولات بقيت بعيدة عن معرفة اللبنانيين،
بسبب الحروب التي صرفت أنظار الرأي العام اللبناني عن هذا الموضوع، ومع فترات
الهدوء النسبي التي يشهدها الوطن، يعود النقاش ليتجدد متخذاً صوراً مختلفة، من شطب
للقيد الطائفي من قيود سجلات النفوس، إلى محاولة إجراء زواج مدني في لبنان اختيارياً
على العاقدين نضال درويش وخلود سكرية، إلى تخصيص مواقع على الأنترنت يتم فيها
تداول صور المتزوجين مدنياً في الخارج... والبقية تأتي... كان لهذا الموضوع الحيّز
الكبير الذي شغل الرأي العام اللبناني على مدى أشهر عدة، ومع خمود جذوته على
الصعيد الرسمي والشعبي إلا أنه لم ينتهِ، لأن الجهات التي أطلقته تنتظر الفرصة
المناسبة لها لتعيد طرحه مرة أخرى، فما هو هذا الموضوع؟ ومن أين استوردته الجهات
الداعية له؟ هل هو مطلب ملحّ لجميع اللبنانيين، أم هو حلم تسعى لتحقيقه مجموعة من
اللبنانيين؟ إضافة إلى كثير من الإشكاليات والتساؤلات التي تثار حوله؟
وللإجابة على هذه التساؤلات ولشرح الإشكاليات التي تحيط بهذا الموضوع،
فإننا سنعمد إلى دراسته من خلال تقسيمه إلى بابين، وذلك على النحو التالي:
الباب الأول: نظام الزواج المدني في الخارج.
الباب الثاني: نظام الزواج المدني المقترح في لبنان.
مدخل:
يعتبر معظم الدارسين لهذا الموضوع، أن الزواج المدني الذي مرّ بمراحل
تاريخية متعددة، لم يتخذ الشكل القانوني المعمول به حالياً في الدول الذي تطبق مثل
هذا الزواج، إلا مع الثورة الفرنسي، فهو نتاج لها، حيث أطلقته باعتباره وليداً
لمفهوم العلمنة، التي ترسّخت من خلال القانون الصادر سنة 1905م في فرنسا، والذي
نصّ على الفصل النهائي بين الكنيسة والدولة، وعلى علمانية الدولة الفرنسية.
ولمعرفة كافة التفاصيل المتعلقة بموضوع الزواج المدني فإننا سنفرع هذا الباب إلى
عدة مباحث موزّعة على عدّة مطالب وذلك على النحو الآتي:
المبحث الأول: الزواج المدني والمجتمع المدني. وفيه مطلبان.
1-
المطلب الأول: نظام الزواج
المدني (تعريفه ونشأته).
2-
المطلب الثاني: المجتمع
المدني (نشأة المفهوم، تعريفه، خصائصه، تداوله، استخدامه).
المبحث
الثاني: الزواج المدني في العالم، وكيفية تطبيقه، وفيه مطلبان.
1-
المطلب الأول: نظام الزواج
المدني في فرنسا.
2-
المطلب الثاني: نماذج عن
الزواج المدني في العالم (اليونان، إيطاليا، قبرص، تركيا، تونس).
تمهيد:
نظراً للترابط القائم بين هذين الموضوعين، ولأهمية كل منهما، فإننا سنلجأ
لدراسة كل موضوع في مطلب خاص، على أن نعود لنرى القاسم المشترك بينهما.
«الزواج المدني هو زواج قانوني يحدد المشترع (السلطة
التشريعية) صيغه وشروطه، ومراحل انعقاده وانحلاله، ويعترف به وبالأسرة الناتجة منه
رسمياً»([2]).
والزواج المدني يتم في محكمة مدنية، وأمام قاضٍ مدني
مختص بالأحوال الشخصية، بموجب قانون ينظم كل الأحوال الشخصية الناتجة عن عقد
الزواج من «خطبة، وعقد، ومعاملات، وحقوق وواجبات الزوجية، وآثار الزواج من إرث
وتركات ونفقات، وطلاق، وتبنّي، ووصاية... إلخ».
وقد يتم أمام موظف في الأحوال الشخصية يُعيّن من قبل
المرجع المختص في الدولة. ومن الجدير ذكره أن قانون الزواج المدني مُلزم بشروطه
وتفاصيله كافة، لمن يختار تطبيقه عليه، سواء كان الزواج المدني اختيارياً أو
إلزامياً.
قبل ظهور المسيحية كان عقد الزواج في الغرب يخضع في تنظيمه([3]) ومفاعيله للقانون الروماني، وكان الطلاق متاحاً في
الشرع الروماني. وفي المراحل الأولى لانتشار المسيحية لم تحاول الكنيسة أن تمارس
أي سلطة على الزواج اللاديني، حيث كان الامبراطور هو المشرّع لهذا الزواج، سواء في
الامبراطورية الرومانية الغربية أو في الامبراطورية الرومانية الشرقية. «فقوانين
قيصر شيء، وقوانين المسيح شيء آخر» حسب قول القدّيس ايروتيموس وهذا يعني عدم
الاعتراض على الزواج اللاديني([4]).
وفي مرحلة ثانية، وبعدما قويت الكنيسة ورجال الدين فيها أخذت تبسط سيطرتها
التامة على تنظيم الزواج، فوضعت له أسساً متأثرة في ذلك بعوامل معينة. وقد بقيت
هذه السيطرة مدة لا تقل عن ستة قرون من الزمن([5]).
وابتداءً من سنة 1556م بدأت الأوامر الملكية تهتم بتنظيم الزواج، وقد ساعد
السلطة الملكية في ذلك اعتبارات، عدة لعل أهمها تلك المعارضة التي أعلنها مارتن
لوثر في القرن السادس عشر ضد النظرة الكنسية إلى الزواج. فقد خالف الكنيسة في
قولها إن الزواج سر من الأسرار المقدسة السبعة، وكان أول من نادى بأن الزواج نظام
طبيعي. وكان لظهور البروتستانتية تأثير على الكنيسة، والمجتمع في الغرب([6]).
إلا أن هذا التحديد التاريخي لم يشهد مولد التقنين المدني للزواج في كل
البلاد المسيحية. ففي انجلترا لم يبدأ تدخّل السلطة الزمنية في شؤون الزواج إلا في
سنة 1753م.
لكن التحولات التاريخية للمجتمع الأوروبي- وكانت الانطلاقة من الثورة
الفرنسية ثم شملت العدوى غالبية الدول الأوروبية- باتجاه إحلال القانون المدني محل
التشريعات الكنسية لم تبدأ فعلياً إلا مع الثورة الفرنسية التي رفعت شعار «لا لله
لا لملك». وقد حصل هذا التطور ضمن سلسلة من الإجراءات اتخذت غداة الثورة الفرنسية،
وأدّت لاحقاً إلى تكريس فصل الكنيسة عن
الدولة. ففي عام 1792 صدر مرسوم ينص على أن مأمور النفوس هو الذي يتولى عقد
الزواج، وفي عام 1793م أطلق أحد قادة الثورة الفرنسية روبسبير ما يسمّى «دين العقل
وعبادة الكائن الأسمى» محوّلاً كاتدرائية نوتردام في باريس معبداً له حتى عام
1795م، حيث تقرر مبدأ فصل الدولة عن الكنيسة.
وفي بداية القرن التاسع عشر قاد نابليون بونابرت فرنسا إلى أول مرحلة من
العلمنة، وقد أبدل عام 1801م مبدأ فصل الدولة عن الكنيسة بتسوية مع البابا بيوس
السابع، وبموجب هذه التسوية أعيد الاعتراف بسلطة البابا لجهة الموافقة على تعيين
الأساقفة. أما أملاك الاكليروس فظلت مصادرة. وأوقفت المعاهد والجامعات الدينية عن
التدريس، وأنشئت مكانها مدارس وكليات علمانية. وكانت هذه أول خطوة علمانية في مجال
التربية والتعليم، ولكن فرنسا عرفت لاحقاً، ولا سيما خلال مرحلة إعادة الملكية
والامبراطورية الثانية، عودة إلى التشدد الديني. ففي عام 1805م أعلن أن
الكاثوليكية هي دين الدولة، وأعيد حظر منع الطلاق. لكن هاتين الخطوتين أُلغيتا عام
1884م، واتسم القرن التاسع عشر بصراع مرير بين الدولة والكنيسة التي حاولت استرجاع
مواقعها السابقة، وخصوصاً احتكار النظام التعليمي والإشراف على الزواج، واشتدّ الصراع
بعد كومونة باريس(*) عام 1871م التي ألغت الدعم المالي للكنيسة وفصلتها عن
الدولة. وأعلنت الجمهورية ثم أسس وزير التربية «جول فيريه» التربية العلمانية بين
عام 1882 و1886م. أما الفصل التام بين الكنيسة والدولة في فرنسا، فقد تم خلال قانون أقرّه المجلس النيابي الفرنسي عام 1905م.
وفي تحليله للظواهر القانونية الناشئة عن تجربة المجتمع الأوروبي «يقول
الفقيه الإداري الفرنسي ديغوي Duguit» إن
هذه الاتجاهات العلمانية ظهرت في البداية في مواجهة الكنيسة، ثم في مواجهة الجماعة
المرتبطة بها. وقد ارتكزت هذه التطلعات إلى الثقافة الزمنية عبر القرن السابع عشر
وما تلاه، بما يمكن تسميته بعصر الأنوار. وهكذا نشأت الفلسفة الفردية كتعبير عن
تحرر الفرد من ضوابط المؤسسات الدينية في بنية المسيرة الاجتماعية»([7]).
ومهما يكن من أمر «فإن الثابت لدى الشراح والفقهاء الفرنسيين أن قانون
الزواج المدني لا يزال في الكثير من أحكامه وقواعده ملتزماً بالإطار التشريعي
الكنسي، وإن النظرة الكنسية لا تزال هي المسيطرة عليه على الرغم من مبدأ الفصل بين
الدين والدولة، والتي اعتنقته فرنسا بعد ثورتها الكبرى»([8]).
يرتبط مفهوم المجتمع المدني في نشأته، وتطوّره وفي بلورته في صورته
الراهنة، بالتاريخ الغربي الوسيط والمعاصر (ميلاد الدولة الحديثة والمجتمع
الصناعي). والكلام عن المجتمع المدني «جاء نتيجة الاستجابة لتجربة تاريخية نوعية
تمثّل مرحلة فكرية ومعرفية ووجدانية محددة»([9]).
وإذا جاز لنا في هذا المقام أن نقتبس من الغرب ومن مسيرته الحضارية هذا
المفهوم، فهل نكون ملزمين منهجياً بالإقرار به في مستوى الشمولية والإطلاق، أم
علينا إذا أخذنا بهذا الاقتباس أن نسعى إلى توظيفه على النحو الذي يتلاءم مع
هويتنا الحضارية المميزة.
لذلك فإن البعض «يدعو إلى قبول اقتراح مفهوم المجتمع الأهلي في حال الحديث
عن المجتمع المدني في التاريخ العربي، فمن الحق القول، إن المجتمع في كنف الدولة
العربية الإسلامية كان يتمتع بقسط كبير من الاستقلال عن الدولة، وبقدر هائل من
الدينامية والإيجابية»([10]).
تعرف عبارة المجتمع المدني ذيوعاً وانتشاراً هائلين في الخطاب العربي
اليوم. فهي متداولة من قبل الجميع، حيث نجدها في ما تعلنه النقابات عن مطالب،
ونقرأ هذه العبارة في ما يصدر عن الجمعيات من نداءات سواء تعلق الأمر بجمعيات
الدفاع عن حقوق الإنسان، أو البيئة، أو المرأة والطفل، أو بالجمعيات الثقافية.
وتتردد العبارة في خطابات الأحزاب السياسية، كون العبارة جذابة في كلماتها، كما
وإن وسائل الإعلام على اختلافها تردد هذه العبارة على نطاق واسع. والمثير في الأمر
أن الخطاب الرسمي للدولة لا يفتأ يتحدث عن المجتمع المدني؟
من أهم التعريفات السائدة نذكر أهم تعريفين هما:
الأول: أن المجتمع المدني هو «كل المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات
والمنافع العامة، دون تدخّل أو توسّط الحكومة»([11]).
والثاني: أن المجتمع المدني هو «النسق السياسي المتطور الذي تتيح صيرورة تمأسسه
(تمفصله في مؤسسات) مراقبة المشاركة السياسية»([12]).
من خصائص المجتمع المدني أنه متعدد وتعددي، وهذا هو مصدر إغناء، أن التشكيل
الصلد الذي لا تباين فيه هو تشكيل ميت. وأهمية التعددية في المجتمع المدني تؤدي
إلى تكوين دينامية الإبداع والخلق، والتغيير في المجتمعات.
فلو أردت السياسة أن تحل محل المجتمع المدني، وتصرفت على أساس أنها نمط
التنظيم الجامع والمانع للحياة والنشاطات الاجتماعية، لقتلت المجتمع وأجهزت عليه.
إن المجتمع المدني لا يتميز عن السياسة في أنه سياسة ديمقراطية أخرى، ولكن
في أنه نمط من التنظيم الاجتماعي يتعلق بعلاقات الأفراد فيما بينهم، لا بوصفهم
مواطنين وأعضاء في وطن واحد، ولكن من حيث هم منتجون لحياتهم المادية، وعقائدهم
وأفكارهم ومقدّساتهم ورموزهم، وكل ذلك ليس من وظيفة السياسة ولا تستطيع السياسة
القيام به من دون أن تحنط الإنتاج، والعقيدة، والمقدسات، وتجعل منها أصناماً وفي
هذا الإطار يقول البعض «تعتبر مدنية كل التنظيمات الاقتصادية، والثقافية، والدينية
التي تغطي ساحة النشاط الحر غير المنظم بنظام واحد وعام من قِبل السلطة»([13]).
تمهيد:
لقد كانت فرنسا السباقة في هذا المضمار، حيث كانت أول من قنن موضوعات
الأحوال الشخصية في قانون علماني واحد يطبق على جميع مواطنيها والمقيمين فيها، ومن
هذا القانون استمدّت معظم الدول التي تطبق نظام الزواج المدني تشريعاتها في
الأحوال الشخصية. وسنتناول هذا الأمر بالتفصيل من خلال توزيع هذا المبحث على
مطلبين هما:
بالنظر إلى كون الزواج المدني كمفهوم وكنظام فرنسي المنشأ، لا بد من
استعراض أهم بنود هذا الزواج، لنتبين جوانب هذا النظام، وما هي البنود المغرية فيه
لمن يروّج لها ويرغب في اقتباسه.
الخطبة المدنية:
تمهيد: الخطبة المدنية ضرورية حيث أنه لا يمكن إبرام الزوج فور الرضا به، وإنما
يلزم لذلك إجراءات تتطلب بالضرورة بعض الوقت، فيلجأ الناس للخطبة انتظاراً
لاستيفاء إجراءات الزواج([18]).
طبيعة الخطبة وأساس التعويض عنها:
أجمع رجال الفقه والقضاء الفرنسيون منذ صدور مجموعة نابليون المدنية، وحتى
الآن على أن الخطبة لا يترتب عليها الالتزام بإتمام الزواج بطريقة الإجبار، بل
يبقى لكلّ من الخطيبين كامل الحرية في أن يرتضي الزواج أو لا يرتضيه. وليس ثمة
دعوى يستطيع أحد الخاطبين عن طريقها إجبار الطرف الآخر على إتمام الزواج.
وعليه، فإذا كان العدول في ذاته لا يعتبر خطأ، إلا أن احتمال اقتران فسخ
الخطبة بالأفعال الضارة يمكن أن ينشأ عنه السبب في التعويض على أساس المسؤولية
التقصيرية(*). وقد جرى القضاء الفرنسي على قبول الدعاوى الخاصة
بالمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والأدبي على أساس ثبوت الخطأ التقصيري الذي
يقترن بالعدول، وعبء الإثبات في هذه الحال يقع على الخاطب الذي أوقع الفسخ إضراراً
به([19]).
للزواج عدة شروط، وهي تقسم إلى قسمين:
الشروط الموضوعية، والشروط الشكلية.
أ- الشروط الموضوعية:
استناداً للمواد 144 و164 من قانون الزواج المدني الفرنسي يمكن إرجاع
الشروط الموضوعية إلى شرطين:
1-
الرضا.
2-
عدم وجود الموانع.
الشرط الأول: الرضا بالزواج
أولاً: وجود الرضا
على أن يصدر الرضا واستناداً للقانون عن شخص قد بلغ سناً محددة، وتتوفر فيه
الأهلية للقيام بذلك أي أن يكون الشخص مدركاً مميزاً.
وقد حددت المادة 144 ق م ف السن التي يجوز فيها الزواج فنصّت على أنه «لا
يجوز زواج الرجل قبل تمام الثامنة عشرة، ولا زواج للمرأة قبل بلوغها خمسة عشرة سنة
كاملة» إلا أن المادة
145 ق م ف منحت لرئيس الجمهورية الإذن بالزواج قبل بلوغ السن المفروض قانوناً لأسباب جسيمة.
145 ق م ف منحت لرئيس الجمهورية الإذن بالزواج قبل بلوغ السن المفروض قانوناً لأسباب جسيمة.
أما عن كيفية التعبير عن الرضا، فقد اعتبر القانون الفرنسي أن ذلك يتم
بالتعبير شفاهية من كلا الزوجين عن رضاه بالزواج أمام الموظف المختص. أما الأصم
والأبكم فهو أهل لأن يعقد زواجاً صحيحاً. لكن هل يجوز الزواج عن طريق الوكالة؟
إن القانون الفرنسي لا يجيز إنشاء الزواج بطريقة الإنابة وتبرير القانون
الفرنسي لهذا الموقف هو أن «الزواج بحسب الأصول رباط أبدي لا تنفصم عراه»([21]).
ثانياً: صحة الرضا
ويكون الرضا صحيحاً عندما تكون الإرادة سليمة، خالية من العيوب التي تنتقص
من هذه الإرادة، والعيوب التي تؤثر على الإرادة وتنتقص منها بحسب القانون الفرنسي
هي: الغلط، الإكراه، التدليس والاستغلال.
أما زواج القاصر فيحتاج لموافقة الولي ففي حين أن من يبلغ السن القانوني
الذي حدده القانون يكون لأهلاً لإبرام زواجه. فإن من لم يبلغوا السن القانوني،
يعتبر رضاهم بالزواج غير كافٍ لإبرامه، بل يلزم مع ذلك موافقة أسرهم (أهلهم) بهذا
الزواج.
الشرط
الثاني: انتفاء موانع الزواج
وقد حددها القانون الفرنسي، حيث اعتبر أن موانع الزواج هي:
1-
الارتباط بزواج قائم.
2-
عدم انقضاء فترة العدّة.
3-
القرابة حتى درجة معينة.
وفيما يلي شرح ذلك.
1- الارتباط بزواج قائم: إذا كان الشخص مرتبطاً بزواج قائم لم تنفصم عُراه
بالوفاة أو الطلاق لا يجوز له أن يعقد زواجاً ثانياً، لأن الأمر تعدد. وتعدد
الزوجات يُعاقب عليه في فرنسا، ويعتبر جريمة جزائية.
وإذا فُقد الزوج فماذا تفعل الزوجة؟. يجيب القانون الفرنسي على ذلك بأنها
تحتاج للحصول على حكم قضائي بموت المفقود إذا أرادت الاقتران بغيره.
وإذا ظهر المفقود بعد الحكم بموته فله، ولكل ذي مصلحة والنيابة العامة
كذلك، طلب تقرير بطلان الزواج الثاني وتقرير عودته إلى زوجته وأولاده.
2- عدم انقضاء فترة العدة:
حدد القانون الفرنسي فترة العدة بثلاثمائة يوم، ملتزماً نفس تحديد القانون
الروماني الذي يحدد فترة العدة بعشرة أشهر([22]).
وقد لجأ القانون الفرنسي إلى هذا التحديد، من حيث أنه اعتبر أن هذه المدة
هي أطول وقت يبقى فيها الجنين مستكيناً في بطن أمه.
وهذه المدة تسري أياً كان السبب الذي انتهى به الزواج الأول للمرأة، أي
سواء كان هذا الزواج قد انتهى بموت الزوج أو بالطلاق.
أما المرأة الحامل، فتنتهي عدّتها بوضعها حملها. وعليه فإنه يسمح للأرملة
التي تلد بعد موت زوجها أن تتزوج فور ولادتها، وكذلك للمطلقة التي تلد بعد صدور
الحكم النهائي أي أن تتزوج فور ولادتها.
وبناءً على ما تقدم، فإن عدم انقضاء فترة العدّة يعتبر في القانون الفرنسي
من موانع إبرام الزواج.
3- القرابة:
يأخذ القانون الفرنسي بثلاثة أنواع من القرابة التي تقف عائقاً في سبيل
الزواج هي:
أ- القرابة الشرعية وهي الناتجة عن زواج المصاهرة.
ب- القرابة الدموية.
ج- القرابة بالتبنّي.
أ- قرابة المصاهرة:
ويمتنع الزواج في الحالات الثلاث التالية:
1- يمتنع الزواج بين الشخص وبين من كان زوجاً لأحد أصوله أو فروعه بدون تحديد
درجة القرابة (م116 ق م ف)، فمثلاً لا يصح للرجل أن يتزوج ممن كانت زوجة لابنه أو
لأبيه.
2- يمتنع الزواج بين الشخص وبين أصول وفروع من كان زوجاً له.
3- يمتنع الزواج بين الشخص وبين أخوه من كان زوجاً له من قبل، إذا كان زواجه
الأول قد انقضى بالطلاق (م 162ق م ف). أما إذا انتهى بالزواج بالموت، فإنه يجوز
للشخص في هذه الحالة أن يتزوج أخت امرأته المتوفاة، وكذلك المرأة.
ب- قرابة الدم:
يمتنع الزواج في هذه القرابة في الحالات التالية:
1-
بين الأصول والفروع علوًّا
أو نزولاً بدون تحديد لدرجة القرابة (م 161 ق م ف).
2-
بين الاخوة والأخوات (م
162 ق م ف).
3-
بين العم وبنت أخيه والعمة
وابن أخيها والخال وابنة أخيه والخالة وابن أختها.
إلا أنه يسمح لرئيس الجمهورية ولأسباب جسيمة أن يبيح محظور في الحالة
الثالثة (م 164 ق م ف).
ج- قرابة التبنّي:
واستناداً للمواد 343 إلى 370 ق م ف يحرّم الزواج بين:
1-
المتنبي والولد المتبنى
وفروعه.
2-
بين الولد المتبنّى وزوج
المتبنّي.
3-
بين الأولاد الذين يتبناهم
شخص واحد.
4-
بين الولد المتبنّى ومن قد
يرزق بهم المتبنّي من أولاد.
ويجوز لرئيس الجمهورية ولأسباب جسيمة الإعفاء من المنع في الحالتين الثالثة
والرابعة.
ب- الشروط
الشكلية:
فرض القانون الفرنسي شروطاً شكلية للزواج، وهي أن يعقد في مكان معين،
والقيام بإجراءات تسبق إبرام الزواج، والهدف منها إعلام الناس بالزواج إلى جانب
إجراءات أخرى عند إبرامه.
1- المكان الذي يعقد فيه الزواج:
استناداً للقانون الفرنسي لا يعقد الزواج في أي مكان يريده الزوجان، إذ إن
القانون يحتّم إجراءه في مكان معين ومحدد هو المنطقة التي يقيم فيها بشكل دائم أحد
الزوجين، أو في المنطقة التي يكون لأحدهما فيها إقامة مؤقتة سحابة شهر كامل (م74 ق
م ف).
والأصل في أن يبرم في مكتب مأمور الأحوال الشخصية، إلا إذا وجد سبب قوي
وخطير يمنع إجراءه داخل المكتب، فعندها يبرم في منزل أحد الزوجين.
2- الإجراءات السابقة للزواج:
وتتلخص بإجرائين أساسيين هما:
أ- الإعلان عن الزواج.
ب- تقديم بعض المستندات.
وفيما يلي شرح ذلك.
أ- الإعلان عن الزواج:
ويتم عن طريق التعليق على باب سرايا البلدية أو العمدية، وهو يحصل بواسطة
ضابط الحالة المدنية (م 63 م ق ف). ويتضمن الإعلان اسم كل من الزوجين المقبلين،
ولقبه ومهنته، وموطنه ومحل إقامته، مع بيان المكان الذي سيشهر فيه الزواج.
ويتم النشر بعد تقديم شهادة طبية رسمية لمأمور الأحوال الشخصية صالحة
لشهرين، ويبقى الإعلان معلقاً لمدة عشرة أيام. وبعد انقضاء هذه المدة يُسمح بإجراء
الزواج خلال سنة من الإعلان، وإذا مرّت المدة ولم يتزوجا أُعيد النشر مجدداً (م 65
ق م ف).
ويجوز في حالات استثنائية ولأسباب هامة عدم الإعلان عن ذلك (م 169 ق م ف)
وإذا جرى الزواج بدون هذا الإجراء يُغرم مأمور النفوس بغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف
فرنك فرنسي.
ب- وجوب تقديم المستندات.
وتتضمن إثبات أهلية كل من طرفي عقد
الزواج وتوافر رضا أسرته عن زواجه. إذا لم يكن قد بلغ سن الرشد.
3- الإجراءات التي تتبع في إبرام الزواج:
يحتم القانون الفرنسي اتباع إجراءات معينة في إبرام الزواج، وتستهدف هذه الإجراءات
تحقيق أمرين أساسيين هما:
أ- العلنية.
ب- إبرام الزواج عن طريق ضابط
الحالة المدنية المختص.
أ- العلنية:
حيث يجب إبرام الزواج بشكل علني، ويعتبر هذا الإجراء من النظام العام،
ولتحقيق هذه العلنية، فإنه يلزم ضابط الحالة المدنية بترك أبواب البلدية مفتوحة
طوال حفل إتمام الزواج، ويترتب قانوناً على مخالفة العلانية لإبرام الزواج البطلان
المطلق، إلا أن هذا البطلان ليس حتمياً فالحكم يترك لتقدير القاضي.
ويدب عند إبرام الزواج حضور الزوجين شخصياً للتأكد من رغبتهما في إتمامه،
ويجب حضور شاهدين يوقّعا على المحضر وأن تكون أعمارهما قد بلغت الواحد والعشرين
سنة ذكوراً وإناثاً.
ب- إبرام الزواج عن طريق ضابط الحالة المدنية المختص.
يتم الزواج في اليوم المحدد والمكان المعين أمام ضابط الحالة المدنية، حيث
يقرأ هذا الأخير نصوص المجموعة المدنية التي تحدد حقوق كل منهما وواجباته، ثم يسأل
كلاً منهما عن رغبته في الزواج من الآخر. وبعد إتمام جميع الإجراءات يعلن ضابط
الحالة المدنية عن أن الزواج قد تم، وتنظم وثيقة يوقع عليها الزواج والشهود، وتوضع
فيما بعد إشارة على سجل نفوس كل من الزوجين، لمنع تعدد الزوجات وإعلام الآخرين،
وعليه فإن الزواج لا يعتبر قائماً قانوناً إلا في اللحظة التي يعلن فيها ضابط
الحالة المدنية باسم القانون أن كلاً من الرجل والمرأة قد أصبحا مرتبطين بالزواج.
ز- نتائج
عدم توفر شروط الزواج:
إن القانون الفرنسي يقرر بالنسبة لمخالفة أحكام الزواج نوعين من الجزاء:
1- جزاء مانع يستهدف منع قيام الزواج الذي يخالف أحكام القانون، ووسيلته
الاعتراض على الزواج.
2- جزاء تأديبي يستهدف إزالة الزواج الذي يبرم بمخالفة الأحكام الأساسية
للقانون، ووسيلته تقرر بطلان الزواج.
فكيف يحصل الاعتراض ويتحقق البطلان.
أولاً: الاعتراض على الزواج.
الاعتراض على الزواج تصرف قانوني يصدر في شكل معلوم من أحد الأشخاص الذين
يحددهم القانون، ويتضمن بيان المانع الذي يحول قانوناً دون إبرام الزواج، ويقدم
إلى ضابط الحالة المدنية المكلف إبرام الزواج. ويترتب عليه امتناع هذا الضابط عن
إبرام الزواج حتى يسقط أثره، ويحكم القضاء برفعه وذلك استناداً لما ورد في المواد
(172 إلى 179 م ق ف).
من له حق الاعتراض.
استناداً للقانون الفرنسي، فإن الأشخاص المعطى لهم حق الاعتراض هم:
1- من ارتبط بزواج مع أحد المتعاقدين (م 172 ق م ف). فمثلاً إذا أراد الزوج أن
يتزوج على امرأته، فإنه يحق لها أن تعترض على زواجه الثاني لتمنع وقوعه، نظراً
لمنع تعدد الزوجات في القانون الفرنسي.
2- للأب والأم ولأسباب يقررانها، حتى ولو كان الابن بالغاً راشداً. وإذا تبين
عدم صحة اعتراضهما، فإنه لا يستحب الحكم على الوالد المعترض بالتعويض خلافاً لما
تقضي به القاعدة العامة الواردة في المادة (179 ق م ف).
3- للأجداد إذا كان الأبوان متوفيين، وبحدود حق الأبوين.
4- أما في حال عدم وجود الأبوين والأجداد، فيعطي القانون حق الاعتراض للأخ
والأخت والعم والخال أو العمة أو الخالة أو ابن العم أو بنت العم على أن يكون
المعترض قد بلغ سن الرشد.
5- للوصي وللقيم على زواج الشخص عند عدم وجود أبويه أو أجداده.
6- للنيابة العامة لأي سبب يحول قانوناً دون إبرام الزواج.
أثر الاعتراض على الزواج؟
إذا وقع الاعتراض صحيحاً يمتنع ضابط الحالة المدنية عن إبرام الزواج ما دام
الاعتراض قائماً، وإلا تعرض للغرامة وللتعويض على المتضرر، وإذا أشهر ضابط الحالة
المدنية الزواج برغم قيام الاعتراض، فإنه لا يبطل إلا إذا كان سبب الاعتراض من
الأسباب المبطلة للعقد([23]).
ثانياً: بطلان الزواج.
فرّق القانون الفرنسي بالنسبة للبطلان بين نوعي البطلان: المطلق والنسبي.
أ- البطلان المطلق.
نص القانون الفرنسي على الأمور التي يترتب عليها البطلان المطلق للزواج
وهذه الأمور هي:
1-
انعدام الرضا.
2-
إبرام الزواج مع وجود رابط
زواجي قائم.
3-
إبرام الزواج مع وجود
علاقة تحريم تمنع من قيامه.
4-
عقد الزواج قبل الوصول إلى
سن البلوغ القانوني.
5-
انتفاء علانية الزواج.
6-
عدم اختصاص ضابط الحالة
المدنية الذي أبرم الزواج.
أما الأشخاص الذين أعطاهم القانون الحق بالتمسك بالبطلان المطلق فهم:
الزوجان، الزوج الأول للشخص الذي تزوج ثانية، أصول كل من الزوجين، النيابة
العامة، من له مصلحة مالية موجودة وحالة.
ب- البطلان النسبي:
نص القانون الفرنسي على حالتين يقع فيهما الزواج باطلاً نسبياً وهما تعيب
الرضا بالزوج، وعدم صدور موافقة الأسرة عند لزومها.
1-
تعيب الرضا: ويتعيب
استناداً للقانون الفرنسي في أمرين: الإكراه، والغلط.
2- عدم صدور رضا الأسرة، وذلك في حال عدم بلوغ أحد طرفي الزواج أو كلاهما سن
الرشد القانوني. إلا أن دعوى البطلان تسقط استناداً للمادة 183 ق م ف إذا سبق
وصدرت موافقة الأهل والأقارب صراحة أو ضمناً، أو كانت قد انقضت سنة منذ علمهم
بالزواج.
ج- آثار بطلان الزواج.
إن الحكم بالبطلان استناداً للقانون الفرنسي يزيل الزواج ليس بالنسبة إلى
المستقبل فحسب، بل بالنسبة إلى الماضي. ويعتبر الزواج كأن لم يكن إلا أن القضاء
والفقه الفرنسيين يعمدان إلى التخفيف من حدّة الأثر الرجعي لبطلان الزواج. وقد لجأ
المشترع أيضاً إلى الحد من أثر هذه القاعدة، حينما اعتبر أن الزواج أبرمه رجل
وامرأة عن حسن نية، بمثابة زواج ظني. وهذا الزواج ورد في الكنيسة للخلاص من
العواقب الوخيمة التي تترتب على بطلان الزواج بالنسبة إلى الماضي، وذلك في حالة ما
إذا كان الزوجان أو أحدهما أو كلاهما حسن النية جاهلاً بالعيب المبطل([24]).
ح- مفاعيل الزواج.
ينتج الزواج مفاعيل بالغة الأهمية في العلاقة الشخصية بين الزوجين، وتتركز
هذه الآثار في الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، وفي إدارة الأسرة.
أ- الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين.
يستهدف الزواج إقامة ارتباط قوي متين بين طرفيه، لمصلحة الزوجين وأولادهما.
ولهذه الغاية يفرض القانون الفرنسي على كل من الزوجين لمصلحة الآخر الواجبات
التالية:
1-
واجب المساكنة.
2-
واجب الإخلاص والوفاء.
3-
واجب تقديم الرعاية.
4-
واجب تقديم المساعدة
المالية.
1- واجب المساكنة:
نصت المادة 215 ق م ف على أنه «للزوج حق
اختيار محل إقامة الأسرة، وعلى الزوجة أن تساكنه فيه، وهو ملزم باستقبالها».
يُستنتج من هذه المدة أنها تتضمن واجب المساكنة بين الزوجين، إلا أن المحاكم
الفرنسية اعتبرت أن واجب المعاشرة الزوجية هو من صلب واجب المساكنة، تمشياً منها
مع ما يقضي به القانون الكنسي([25]). والامتناع عن أداء هذا الواجب الزوجي بغير عذر يبرره،
يعتبر في نظر القضاء من الأسباب المبيحة لطلب الطلاق، أو الانفصال الجسدي.
وإن الاتفاقات
بالتراضي التي يجريها أحياناً بعض الأزواج للعيش مفترقين تعتبر باطلة لمخالفتها
النظام العام([26])، وذلك تطبيقاً للمادة 307 ق م ف، والتي جاء فيها «لا
يجوز أن تقوم الفرقة على التراضي المتبادل بين الزوجين»، وإن الإخلال بهذا الواجب
يرتب المسؤولية على عاتق المُخل. فمثلاً إذا امتنعت الزوجة عن العودة إلى منزل
الزوجية دون وجه حق، كان للزوج أن يمنع أي مال فيحتفظ لنفسه بدخل الأموال
المشتركة، وحتى بأموال المرأة الخاصة بها. وقد درج القضاء على الحكم بغرامة
تهديدية على الزوج الذي يخلّ بالتزامه حتى يرغمه على التنفيذ بنفسه.
2- واجب الإخلاص والوفاء.
ويقصد بهذا الواجب عدم جنوح أحد الزوجين نحو الزنى، أو السلوك غير
المستقيم. فعلى كل من الزوجين الإخلاص للآخر وعدم خيانته مع غيره، لأن الأمانة
الزوجية من أهم الواجبات الزوجية
(م 212 ق م ف).
(م 212 ق م ف).
وقد قرر القانون الفرنسي للزنى عقوبة لها مظهران: مدني وجزائي.
أ- الجزاء المدني للزنى.
يعتبر الزنى سبباً حتمياً للطلاق في القانون الفرنسي، سواء من جانب الزوج
أو الزوجة (م 229، 230 ق م ف).
والمقصود بالزنى المسبب للطلاق هو العلاقة الجنسية المحددة بالمجامعة
نفسها. أما ما عداها فإنها لا تعتبر زنى([27]).
وأما إثبات الزنى، فيتم عن طريق المحضر الذي يتولاه البوليس. وهذا أمر صعب
الإثبات.
ب- جزاء الزنى العقابي.
يعتبر الزنى من الناحية الجزائية جنحة، سواء وقع من الزوج أم من الزوجة.
إلا أن القانون الجزائي الفرنسي ينظر إلى زنى الزوجة بقسوة تزيد عن تلك التي ينظر
بها إلى زنى الزوج، والسبب في التشدد على الزوجة الخوف من اختلاط الأنساب؛ ومن
مظاهر هذا التشدد:
1- تعاقب الزوجة الزانية بالحبس الذي يصل إلى سنتين، أما الزوج الزاني فعقوبته
الغرامة فقط.
3- إذا وقعت جريمة الزنى من الزوجة عوقبت وشريكها. أما إذا كان الزوج هو
الزاني فإنه يعاقب وحخده.
4- تعتبر مفاجأة الرجل لزوجته، وهي ملتبسة بالزنى عذراً قانونياً مخففاً له
إذا ما قتلها. بخلاف الأمر بالنسبة للزوجة، فهي إن فاجأته وقتلته فإن هذه المفاجأة
لا تنهض لتكون عذراً مخففاً.
ومن الجدير ذكره أن المشرع الفرنسي ألغى جريمة الزنى من قانون العقوبات
الفرنسي، بالقانون رقم 617 بتاريخ 11 تموز 1975 في المادة 17 منه.
ومع هذا القانون لم تعد العلاقة بين الخليل والخليلة قائمة على وضع جرمي،
وإن كان أحدهما متزوجاً.
3- واجب تقديم الرعاية والمعاونة.
هذا الواجب يقوم على تقديم العون لمن هو في حاجة إليه، كما في حالات الشيخوخة
والمرض والعسر، وأن يكون كل من الزوجين للآخر عضداً له بمختلف مخاطر الحياة فإذا
أخل الزوج بواجب الرعاية، فإن هذا الإخلال يعتبر إهانة جسيمة تعتبر سبباً لطلب
الطلاق أو للانفصال الجسدي.
4- واجب المساعدة المادية.
ويقصد به تقديم العون المالي، وهو يقع على عاتق كل من الزوج والزوجة دون
تفريق. فأعباء الأسرة لا تقع على عاتق الزوج وحده، بل يلزم أن تساهم الزوجة معه
بنسبة إمكانيتهما المتبادلة.
وإن عدم القيام بهذا الواجب يعطي الطرف المتضرر سبباً لطلب الطلاق أو
الانفصال الجسدي (م 323 ق م ف).
وبما أنه، وكما رأينا، فإن العبء المادي موزع على الزوجين فقد «كرّس القانون
الفرنسي لسنة 1970 المساواة شبه الكاملة. فلم يعد الرجل رب العائلة فقط، بل باتت
المرأة تشاركه في تقاسم السلطة العائلية. وزاد القانون الصادر بتاريخ 23/12/1985
على ذلك بأنه سمح للابن بالتكنّي بعائلة أمه أو أبيه على حدّ سواء»([30]).
لقد اخترنا نماذج عن تطبيق نظام الزواج المدني دون أخرى نظراً لأهمية هذه
الدول على الصعيد الديني سواء في العالم المسيحي أو العالم الإسلامي.
الزواج المدني والزواج الديني كلاهما قائم في اليونان، الأول بدأ تطبيقه
عام 1982 إثر تعديل القانون المدني، والثاني كان سابقاً على الزواج المدني ولا
يزال لأن اليونانيين يفضلون عادةً الزواج الديني الأرثوذوكسي.
وليست اليونان دولة علمانية، خصوصاً وأن دساتيرها أقرّت الديانة المسيحية
الأرثوذوكسية مذهباً غالباً. والكنيسة اليونانية ورغم احترامها لحرية المعتقد في
الدولة اليونانية، فإنها تتخذ إجراءات ضد كل الأفكار التي تعتبرها مخالفة للأرثوذوكسية([31]).
تعتمد إيطاليا نوعين من الزواج، المدني والديني. وقد أقرّ أول قانون للزواج
المدني في إيطاليا في العام 1856م، وهو مستوحى من قانون نابليون. وبموجب هذا
القانون أصبح الزواج المدني الوحيد المعترف به قانوناً، لكن الشعب الإيطالي كان
يعتبر حينها أن الزواج المدني هو مجرد معاملة، وإن الزواج الديني هو الزواج
الحقيقي، وقد تغيرت الأمور عام 1929م.
ومع عقد اتفاق «لاتران» بين الدولة الإيطالية والكنيسة الكاثوليكية، وبموجب
هذه الاتفاقات، أصبحت الكاثوليكية دين الدولة. وتقرر أن يكون للزواج الديني أيضاً
الصفة القانونية إذا سجل في دوائر الأحوال الشخصية.
ومن الملاحظ أن الإيطاليين بغالبية 80% منهم لا يزالون متعلقين بالدين.
إن الوضع في قبرص يشبه إلى حدٍّ بعيد الوضع في اليونان. فالزواج المدني
للرعايا القبارصة أصبح مسموحاً به منذ العام 1990، بعدما كان محصوراً بالأجانب
وحدهم. لكن غالبية السكان تكتفي بالزواج الديني الذي تعترف به الكنيسة والدولة،
بينما المدني لا تعترف به إلا الدولة، ولا يسمح قانون قبرص (اليونانية) بزواج
رعايا من الطائفتين المسيحية والمسلمة، نظراً لخصوصيته النزاع في الجزيرة. أما
الشطر القبرصي (التركي) فيعتمد، كما تركيا، العلمنة والزواج المدني العلماني.
اعتمدت تركيا الزواج المدني عام 1926م ضمن برنامج العلمنة (الملحدة) (*) الذي طبقه مصطفى أتاتورك،
بإصداره القانون المدني التركي المنقول عن القانون السويسري. حيث أنه وبعد انتخابه
رئيساً للجمهورية عام 1923م عدل الدستور، وألغى كل النصوص المتعلقة بالدين
الإسلامي، ومنع النشاطات الدينية، وحول المساجد إلى متاحف (مسجد أيا صوفيا). وألغى
المظاهر الإسلامية، كالحجاب والكتابة بالحرف العربي وعطلة يوم الجمعة، وأحلّ
محلّها مظاهر غربية مثل الحرف اللاتيني والتقويم الميلادي والتعطيل يومي السبت
والأحد. وفرض مبدأ العلمنة في الدستور، وألغى الدروس الدينية في المدارس، ونقل
سلطات المحاكم الشرعية إلى المحاكم المدنية.
كل هذا، وتركيا التي يشكل المسلمون 99% من سكانها هي الدولة الوحيدة في
العالم الإسلامي التي أقرّت العلمنة في دستورها.
هي الدولة العربية الوحيدة التي تعتمد الزواج المدني المستوحى من الشريعة
الإسلامية، وتم اعتماده ضمن إطار تغييرات كثيرة في تونس عقب الاستقلال سنة 1956م،
حيث تم توحيد القضاء وأصبح قانون الأحوال الشخصية يطبق على كل التونسيين دون
استثناء. وخلال أربعين عاماً عدّل القانون مراراً وتكراراً في مجالات عدة بعيدة عن
الشريعة الإسلامية، وكانت هذه التغييرات تُقدم للرأي العام في إطار إعادة قراءة
للشريعة. وهذا القانون يمنع تعدد الزوجات، ويشترط طلاقاً قضائياً، ويساوي بين
المرأة والرجل. وبهذا؟ فتونس تختلف عن معظم العالم العربي بقوانين الأحوال الشخصية
التي أقرّتها.
إلا أنه وبصدور مرسوم سنة 1970م تم منع زواج المسلمة من غير المسلم([32])، كما مُنع موظفو المحاكم المدنية من تسجيل عقود أبرمت
خارج تونس.
ولا تعترف السلطات التونسية بعقود الزواج المبرمة خارج تونس بين مسلمة وغير
مسلم، وتالياً لا يعترف بأبنائهما ولا يسجلون في دوائرها. وكذلك فإن مبدأ التوارث
(للذكر مثل حظ الانثيين) لا زال معتمداً، لكن إمكان أن يحجب العم أو أبناء العم
الإرث عن البنات لم يعد وارداً في تونس([33]).
النتيجة التي يمكن أن تستخلص من التحولات التي حصلت في المجتمعات الغربية
خاصة وتأثر بعض الدول الإسلامية بها هي أن الزواج المدني لم يكن عنواناً سياسياً
في أي يوم، بل نتيجة لتحولات جذرية في المجتمع المدني بدلت في مفاهيمه، ومنظومة
قيمه، ونظرته إلى الكنيسة كمؤسسة، وإلى الدولة كمرجعية وحيدة وكراعية لشؤونه
العامة وكناظمة للعقد الاجتماعي وكمصدر لحقوقه كفرد تؤمنه وتحميه وتصونه من مؤسسات
ما قبل الدولة (الإقطاع، الكنيسة، القبيلة، العشيرة، العائلة... إلخ).
لا يوجد في لبنان تشريع للزواج المدني، وذلك لأن المشترع اللبناني ومنذ
الانتداب الفرنسي لم يتناول مواد الأحوال الشخصية بأي قانون وضعي «مدني»، بل أعطى
حق التشريع في هذا الحقل للطوائف المعترف بها([34]) عبر أنظمة([35]) خاصة لكل منها.
وقطعاً للطريق أمام المحاولات التي كانت تجري لتفسير
القرار 60/ ل ر تاريخ 13/3/1936 على نحو علماني خاصة لدى بعض المنتمين للطوائف غير
الإسلامية، فقد أصدرت الدولة اللبنانية قانون 2 نيسان 1951([36])، والذي تضمن في مواده كلاماً صريحاً عن بطلان الزواج المدني الذي يعقد في
لبنان حيث أنه ورد في نص المادة السادسة عشرة من قانون 2 نيسان 1951 أنه «باطل كل
زواج يجريه في لبنان لبناني ينتمي إلى إحدى الطوائف المسيحية أو الطائفة
الإسرائيلية أمام المرجع المدني».
ورغم أنه لا يوجد قانون للزواج المدني في لبنان، فإن
السلطات اللبنانية تسمح بتسجيل عقد الزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانية،
على أن تراعى أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والمذهبية لدى
الطوائف الإسلامية المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية. وبين المنع
داخلياً، والسماح بتسجيل عقد الزواج المدني المبرم في الخارج طرحت محاولات عديدة
قديماً وحديثاً من أجل توحيد قوانين الأحوال الشخصية بقانون علماني واحد، إلا أن
كل هذه المحاولات والمشاريع كانت تجافي الأديان وتتناقض في كثير من موادها مع
الأديان السماوية الثلاثة (الإسلام، المسيحية، اليهودية) ولم يستطع أصحاب هذه
المشاريع(*) بناء
جسور للتواصل مع ما هو موجود في أنظمة وقوانين الأحوال الشخصية، فكان مصير هذه
المحاولات الفشل المتكرر، وهذا ما يدعونا لقراءة، كل ما يحيط بموضوع الزواج المدني
في لبنان من إشكاليات، بتأنٍ دون الاصطفاف مع هذا الفريق أو ذلك ولخدمة الحقيقة
أولاً وأخيراً.
ومن الجدير ذكره أمران:
إن استخدام مفهوم المجتمع المدني ليس له في الواقع إلا وظيفة واحدة، هي
إعطاء نوع من المشروعية السياسية لاقتراح مشروع قانون الزواج الذي تقدم به رئيس
الجمهورية السابق(*) والمنقول حرفياً عن مشروع الأستاذين عبد الله لحود
وجوزيف مغيزل. وذلك نظراً لكون السلطة السابقة كانت تفتقر إلى مشروع اجتماعي
حقيقي.
إن تمسك البعض بهذا المشروع، هو محاولة لإعادة إحياء المشروع المذكور
المتراجع عنه، ليستعمل كرافعة سياسية لهم.
إن معظم الذين أيّدوا مشروع قانون الزواج المدني المذكور، كانوا يربطون
بينه وبين قيام المجتمع المدني الخالي من الطائفية. وحقيقة الأمر أن المزاوجة بين
المفهومين كانت لتضليل الرأي العام، نظراً لجاذبية عبارة المجتمع المدني، وتشهيراً
للرافضين للمشروع ولإظهارهم بمظهر غير مدني متزمت ومتخلف. وهذا ما يخالف حقيقة
الأمر، لأن رجالات السلطة في لبنان الداعمين لهذا المشروع لم يتركوا أي تفصيل في
شؤون اللبناني الدينية، والاجتماعية، والثقافية إلا تعرضوا له متسلحين بمواقعهم
وبشعار الحفاظ على السلم الأهلي.
وقد طوت الأحداث المتسارعة هذا المشروع، ثم عاد وزير العدل السابق شكيب
قرطباوي ليحاول بثّ الحياة فيه مجدداً، من خلال مشروع قانون أودعه الأمانة العامة
لمجلس الوزراء لطرحه على جدول أعمال الحكومة الجديدة...
وإذا كان هذا المشروع المقترح قد أخذ بالكثير مما جاء في مشروع الرئيس
الهراوي لجهة أنه اختياري لا إلزامي بمضمونه ومندرجاته يتطابق معه، إلا أنه أورد
بعض النقاط القانونية التي كانت غائبة عن واضعي مشروع الهراوي، ومن أبرز هذه
النقاط: إن مشروع قرطباوي يتيح عقد الزواج المدني من دون شطب المذهب عن القيد؟؟
ويعدل هذا المشروع بعض النصوص القانونية ومن بينها
المادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر. الصادر في 13/3/1936، ويلغي أحكام القرار رقم 53 الصادر بتاريخ 30/3/1939 (وكانت أحكام هذا القرار تقضي باستثناء تطبيق القرار 60 ل.ر. على المسلمين)، كما أنه يعدل أحكام المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية فتصبح المحاكم المدنية وحدها لها الحق بالنظر في النزاعات الناتجة عن الزواج المدني المقترح وليس كما هي الحال بحصر اختصاص المحاكم المدنية بالزواج المدني المعقود في الخارج، مع مراعاة أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية، إذا كان كِلا الزوجين من الطائفة المحمدية، وأحدهما على الأقل لبنانياً.
المادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر. الصادر في 13/3/1936، ويلغي أحكام القرار رقم 53 الصادر بتاريخ 30/3/1939 (وكانت أحكام هذا القرار تقضي باستثناء تطبيق القرار 60 ل.ر. على المسلمين)، كما أنه يعدل أحكام المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية فتصبح المحاكم المدنية وحدها لها الحق بالنظر في النزاعات الناتجة عن الزواج المدني المقترح وليس كما هي الحال بحصر اختصاص المحاكم المدنية بالزواج المدني المعقود في الخارج، مع مراعاة أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية، إذا كان كِلا الزوجين من الطائفة المحمدية، وأحدهما على الأقل لبنانياً.
كما أن مشروع قرطباوي المقترح يعدل نص المادة 2 من
قانون قيد الأحوال الشخصية الصادر في 7/12/1951 بمنح مأمور النفوس صلاحية تنظيم
عقد الزواج المدني للراغبين في إجرائه في منطقة اختصاصه.
وقد تم تقسيم هذا الباب إلى عدة مباحث موزعة على مطالب عدة على النحو
التالي:
المبحث الأول:
الزواج المدني المعقود في الخارج، وحدود تطبيقه وهذا المبحث يقسم إلى
مطلبان.
المطلب الأول: الزواج المدني المعقود في الخارج.
المطلب الثاني: حدود تطبيق هذا الزواج.
المبحث الثاني: المحاولات التي طرحت لتبني الزواج
المدني في لبنان.
المبحث
الثالث: نص مشروع رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي.
المبحث
الرابع: الإشكالية التي يثيرها طرح موضوع الزواج المدني في لبنان وهذا المبحث
يتوزع إلى عدة مطالب هي:
المطلب الأول: أسباب تأييد مشروع الزواج المدني وأسباب رفضه.
المطلب الثاني: رأي رجال القانون في مشروع الزواج المدني.
المطلب الثالث: رفض الكنيسة للمشروع ومعارضة المسلمين له.
المطلب الرابع: علمانية الدولة ودينية الأحوال الشخصية.
المطلب الخامس: المحاولة التجربة (درويش، سكّرية).
الزواج المدني المعقود في الخارج
ويجيب هذا
المبحث على بعض الأسئلة التي تثار حول الزواج المدني، ومنها: هل يوجد في لبنان
نظام للزواج المدني؟ كيف يمكن للمتزوجين مدنياً في الخارج أن يسجلوا عقودهم
المدنية في لبنان؟ ماذا لو تزوجت مسلمة زواجاً مدنياً في الخارج من غير مسلم؟ إلا
غيرها من الأسئلة التي سنجيب عليها من خلال هذا المبحث الذي يقسم إلى مطلبين:
الزواج المدني المعقود في الخارج، ثم حدود تطبيق هذا الزواج
بالرغم من عدم وجود
تشريع للزواج المدني في لبنان، إلا أن الدولة، سمحت بتسجيل الزواج المدني المعقود
من لبنانيين في الخارج، وذلك بالاستناد إلى المادة 25 من القرار 146 ل ر تاريخ
18/1/1938م حيث أن هذه المادة أجازت انعقاد زواج لبنانيين مدنياً في بلد أجنبي،
فيكون هذا الزواج صحيحاً، ويبقى خاضعاً للقانون الأجنبي. ويعترف القانون اللبناني
بمفاعيله كافة، بما فيه قيده في سجلات الأحوال الشخصية وتطبيقه من قبل المحاكم
المدنية على المسيحيين دون المسلمين.
ثم أكدت الدولة
على إقرارها بالزواج المدني المعقود في الخارج من خلال أحكام المادة 79 من قانون
أصول المحاكمات المدنية الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 90/ 83 والمعدل بالمرسومين
20/ 85 و22/ 85. وقد جاء في هذه المادة أنه «تختص المحاكم اللبنانية المدنية
بالنظر بالمنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تم في بلد أجنبي، بين لبنانيين أو
بين لبناني وأجنبي، بالشكل المدني المقرر في قانون ذلك البلد. وتراعى أحكام
القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والمذهبية، إذا كان كلا الزوجين من
الطوائف المحمدية أو أحدهما على الأقل لبنانياً».
إن عقود الزواج
المدنية التي تعقد في الخارج لا تطبق قانوناً فيما لو كان الزوجين أو أحدهما
لبنانياً مسلماً، ذلك أن المادة 25 من القرار 60 ل ر 1936 المعدلة بالقرار 146 ل ر
1938 لا تطبق على الطوائف الإسلامية، نظراً لما أثاره هذا القرار من معارضة شديدة
من المراجع الروحية الإسلامية، مما دفع المفوض السامي الفرنسي آنذاك إلى إصدار
القرار 53 ل ر تاريخ 30 آذار 1939 الذي حصر تطبيق القرار 146 ل ر بالطوائف غير
الإسلامية. وهذا لا يعني أنه يحرم على اللبنانيين المسلمين أن يعقدوا زواجاً
مدنياً خارج لبنان، غير أن هذا الزواج يبقى خاضعاً لصلاحية المحاكم الشرعية
والمذهبية. وتطبق على مفاعيله أحكام الشريعة الإسلامية (مادة 79 من قانون أصول
المحاكمات المدنية) وقد مر ذكرها سابقاً. ومن الجدير ذكره في هذا المجال أنه يجب
التمييز بين الطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية من جهة أولى، والطوائف
الإسلامية من جهة أخرى لناحية الصلاحيات الممنوحة لكل منها.
ففيما يتعلق
بالطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية التي تخضع لأحكام قانون 2 نيسان 1951، فإن
هذا القانون بعد أن حدد مواضيع الأحوال الشخصية التي تدخل في اختصاص هذه الطوائف
عاد وأقر لها في المادة 33 منه بحقي التشريع والقضاء.
أما فيما يتعلق
بالطوائف الإسلامية، فقد حدد المُشرع اللبناني المواضيع الداخلة في اختصاص هذه
الطوائف حصراً وبشكل نهائي دون أن يرد أي نص يماثل نص المادة 33 من قانون 2 نيسان
1951.
وعن هذه
المفارقة، يتحدث البعض قائلاً «إذا كان الدولة اللبنانية تحتفظ من الناحية
القانونية بحق اتخاذ المبادرة بتعديل أي قانون من قوانين الأحوال الشخصية للطوائف
الإسلامية، باعتبار أنها صادرة عن السلطة التشريعية اللبنانية، فإنها بالمقابل لا
تملك هذا الحق ولو نظرياً بالنسبة للطوائف غير الإسلامية، بالنظر لنص المادة
التاسعة من الدستور اللبناني، والتي ضمنت للطوائف احترام أنظمة الأحوال الشخصية
ومصالحها الدينية»([37]).
والسؤال يطرح
ماذا لو لحق أو سبق الزواج المدني المعقود في الخارج زواج ديني في الداخل؟ يجيب
الاجتهاد اللبناني على ذلك باشتراطه لتطبيق المادة 25 من القرار 146 ل ر ألا يسبق
أو يلحق الزواج المدني بزواج ديني. ففي حال أرفق الزواج المدني بزواج ديني تبقى
المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية وحدها مختصة دون غيرها.
وقد يطرح سؤال
آخر حول ما لو تزوجت اللبنانية المسلمة من غير المسلم؟ يجيب الشرع على ذلك أن
المسلمة التي يعقد عليها غير المسلم أمام مرجع غير مسلم، وينفذ عقدها في قيود
النفوس سوءا تم العقد في لبنان أو خارجه، إنما هو زواج باطل في نظر المسلمين.
وإذا حكم
القاضي الشرعي ببطلانه والتفريق بين الزوجين، فقد جرى العمل على أن موظفي دوائر
(الأحوال الشخصية) النفوس لا ينفذوا هذا التفريق. وكذلك الحال لو أسلمت زوجة غير
المسلم الذي أبى الإسلام، وراجعت المرأة القاضي الشرعي، وحكم بالتفريق بينها وبين
زوجها، فإن موظفي النفوس لا ينفذوا هذا الحكم.
منذ تأسيس
الكيان اللبناني، وقيام الجمهورية اللبنانية طرحت محاولات عديدة لتبني الزواج
المدني. ولكل محاولة من هذه المحاولات أهداف وفلسفة خاصة بها، ولم يكن طرح موضوع
الزواج المدني سوى رافعة تستعمل للوصول إلى الغايات التي رسمها أصحاب هذا المشروع،
أياً تكن الأهداف والغايات.
وأولى هذه
المحاولات بدأت مع المنتدب الفرنسي يوم صدر نظام الطوائف الدينية عن المفوض السامي
بالقرار رقم 60 ل ر الصادر بتاريخ 13/3/1936 وتعديلاته بالقرار 146 ل ر تاريخ
18/1/1938. وقد تضمن هذا القرار وتعديلاته كثيراً من المواد التي تتعارض مع أحكام
القرآن الكريم والتشريع الإسلامي، مما اعتبره المسلمون ماساً بدينهم. فاحتجوا بقوة
على ذلك الأمر الذي دفع بالمحتل الفرنسي إلى تعديل هذا النظام بالقرار رقم 53 ل ر
تاريخ 30/3/1939، والذي أعفى المسلمين من تطبيق المواد المتعارضة مع تشريعاتهم،
وخاصة المادة 25 من القرار 60 ل ر والمعدلة بالقرار 146 ل ر.
ولما أصدرت
السلطة اللبنانية قانون 2 نيسان 1951 المختص بتحديد صلاحيات المراجع المذهبية
للطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية، اعتبر البعض «أن وراء إصدار هذا القانون
خلفيات وأسباب سياسية، قصد من ورائها أركان السلطة في لبنان استمالة الإكليروس
المسيحي، والرأي العام المسيحي»([38]) مما أدى إلى ردود فعل قوية لدى المحامين فتنادوا لعقد
جمعية عمومية لبحث هذا الموضوع. فانعقدت الجمعية العمومية للمحامين بتاريخ
23/6/1951 حيث طالب المحامون بنتيجتها بإلغاء قانون 2 نيسان والرجوع عنه، ثم عقدت
الجمعية العمومية للمحامين اجتماعاً ثانياً في 20/10/1951 حيث تلا فيه نقيب
المحامين مشروع قانون الأحوال الشخصية، فوافقت عليه الجمعية العمومية وأحيل إلى
المراجع الرسمية.
وبتاريخ 20/12/1952 وفي اجتماع آخر للجمعية العمومية أعلن نقيت المحامين
موافقة وزارة العدل على مشروع القانون المدني الذي أعده مجلس النقابة، وأحيل
المشروع إلى مجلس الوزراء دون أن يحال إلى مجلس النواب.
ونتيجة لذلك قررت الجمعية إعلان الإضراب العام الشامل في 12/1/1952 على أن
يبقى مستمراً، لحين إحالة المشروع إلى الندوة النيابية، واستمر هذا الإضراب لغاية
5/4/1952 بعد أن ورد إلى مجلس النقابة كتاب من مدير غرفة رئاسة المجلس النيابي بأن
المشروع أدرج في جدول أعمال جلسة المجلس النيابي التي ستعقد في 8/4/1952 فاجتمع
مجلس النقابة وقرر إعلان إنهاء الإضراب صباح يوم 5/4/1952، وبقي قانون 2 نيسان
1951 مطبقاً...
ثم إن هذه المحاولات الداعية لإقرار زواج مدني في لبنان تكررت، حيث أثيرت
مراراً مسألة الزواج المدني كمدخل لقانون مدني للأحوال الشخصية، وذلك «حين وضع
الأستاذ الفرنسي جان شوفاليه مشروع قانون حول الإرث معتمداً على الشرائع الفرنسية
فرُفض من الطوائف الإسلامية لتعارضه في معظم مواده مع الشريعة الإسلامية([39]).
ولم يلقَ رفضاً من الطوائف المسيحية فتحول إلى قانون الإرث للطوائف غير
المحمدية، علماً بأن الطوائف المسيحية وحتى تاريخ صدور هذا القانون في 23/6/1959
كانت تطبق على أتباعها قوانين الإرث الإسلامية (وفقاً للمذهب الحنفي) نظراً لعدم
وجود قوانين كنسية تتناول موضوع الإرث.
وبعد هذا القانون تتابعت المحاولات «فتقدم الأستاذان عبد الله لحود وجوزيف
مغيزل باسم الحزب الديمقراطي بمشروع قانون موحد للأحوال الشخصية إلى المجلس
النيابي عبر أحد مؤسسيه النائب أوغست باخوس سنة 1974»([40]).
ثم جاءت الحرب الفتنة، وكان متعذراً طرح مثل هذا القانون كغيره من
القوانين. ثم أعيد طرحه سنة 1976 في تجمع النواب الموارنة المستقلين، والذي كان
يضم الرئيس الياس الهراوي كعضوٍ فيه.
ثم استؤنفت هذه المحاولة بتاريخ 17/7/1997 عندما تقدم نواب الحزب السوري
القومي الاجتماعي (الطوارئ) باقتراح قانون اختياري موحد للأحوال الشخصية «وهذا
الاقتراح يعتبر نسخة طبق الأصل مسحوبة بحرفيتها من مشروع لحود، مغيزل»([41]).
وكانت المحاولة الأخيرة الجدية، وقد لا تكون النهائية (مشروع الوزير
قرطباوي المقترح)، لمشروع الرئيس الياس الهراوي الذي تقدم به إلى مجلس الوزراء المنعقد
بتاريخ 18/3/1998 «وقد صوت على المشروع أكثرية الوزراء. وأقر من حيث المبدأ في
مجلس الوزراء، واعترض عليه رئيس الحكومة من حيث التوقيت غير الملائم. علماً بأن
رئيس المجلس وافق عليه، لكنه ربط هذه الموافقة بشرط أن يكون هذا المشروع مدخلاً
لإلغاء الطائفية السياسية([42]).
وفي الواقع، فإن المشروع المحال من رئيس الجمهورية «ليس مشروعه ولا نتاج
جهده وجهد معاونيه، إنما هو بأبوابه وفصوله ومندرجاته وعناوينه وحتى أسبابه
الموجبة منسوخ عن مشروع كان قد أعده المحاميات عبد الله لحود وجوزيف مغيزل وتبناه
الحزب الديمقراطي في عام 1971 ونشر في كتيب قبل أن يحمله النائب أوغست باخوس إلى
البرلمان عام 1974»([43]).
يُعتبر مشروع
الرئيس الهراوي المستنسخ مدخلاً لمشروع قانون موحد وإلزامي للأحوال الشخصية، على
اعتبار أنه أبقى على قسم لا يستهان به من قوانين الأحوال الشخصية تحت صلاحية
المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية. كما وأنه يعتبر محاولة لحمل الطوائف على
التخلي عن صلاحياتها شيئاً فشيئاً، وبالتالي الوصول إلى العلمنة الشاملة، والتي لا
محل للدين فيها إطلاقاً على قاعدة «الدين لله، والوطن للجميع».
وبكل الأحوال
فإننا سنتناول المواد التي تتحدث عن الزواج وآثاره ومفاعيله حصراً، دون التطرق إلى
بقية مواد المشروع على أمل أن نستكمل هذه الدراسة لاحقاً.
نص المشروع
أحكام عامة
المادة الأولى:
«يطبق هذا القانون
بصورة إلزامية على الأشخاص الذين يختارون الخضوع لأحكامه، عن طريق إجراء عقد
زواجهم وفقاً للصيغ المحددة فيه».
المادة
الثانية: «ينظر القضاء
المدني وفقاً لقواعد الاختصاص العادي المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات
المدنية في جميع الطلبات والنزاعات الناشئة من جراء تطبيق هذا القانون».
الكتاب الأول
الزواج
المادة 3: الزواج عقد غايته إنشاء حياة مشتركة
ودائمة بين رجل وامرأة.
المادة 4: الوعد بالزواج أياً كان شكله، بما فيه
الخطبة، لا يقيد الواعد. ولكن من ينقض الوعد تعسفاً يلزم بالتعويض وفقاً للقواعد
العامة.
الفصل الأول
شروط الزواج وأركانه
المادة 5: لا يعقد الزواج في الأصل قبل إتمام
الرجل الثامنة عشرة والمرأة السادسة عشرة من العمر.
يمكن الترخيص
بعقد الزواج لمن لم يبلغ السن المذكورة بقرار معلل تتخذه المحكمة المختصة في غرفة
المذاكرة بعد مطالعة النيابة العامة ولأسباب بالغة الأهمية.
المادة 6: لا ينعقد الزواج إلا برضى الزوجين.
المادة 7: في حالة الترخيص المنصوص عليها في
المادة 55 من هذا القانون، تشترط موافقة الممثل القانوني للمرخص له، فضلاً عن رضى
هذا الأخير الشخصي.
عند انتفاء
الموافقة لأي سبب كان، تبت المحكمة المختصة بأمر الترخيص بقرار يتخذ في غرفة
المذاكرة بعد مطالعة النيابة العامة.
المادة 8: يمكن عقد زواج المحجور عليه لسبب غير
الجنون بعد ترخيص يتخذ بقرار معلل من المحكمة المختصة في غرفة المذاكرة بناء على
طلب ممثله القانوني وبعد مطالعة النيابة العامة.
المادة 9: لا يجوز عقد الزواج بين شخصين أحدهما
مرتبط بزواج قائم وإلا كان العقد باطلاً.
المادة 10: لا يصح الزواج:
1- بين الأصول
والفروع.
2- بين الاخوة
والأخوات.
بين من تجمعها
قرابة أو مصاهرة دون الدرجة الرابعة.
ولا فرق، في
تطبيق هذه المادة بين القرابة الشرعية، أو غير الشرعية، أو بالتبني.
الفصل الثاني
إجراءات الزواج
المادة 11: يعقد الزواج أمام موظف مختص تابع
للمديرية العامة للأحوال الشخصية.
تحدد شروط
تعيين هذا الموظف ومركز عمله ونطاق وظيفته والسجلات التي يترتب عليه اعتمادها
بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.
المادة 12: حضور طالبي الزواج أمام الموظف المختص
هو الأصل. غير أنه يصح حضور الوكيل في إطار الشرطين الآتيين:
1- أن يكون
التوكيل رسمياً لا يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة أشهر سابقة لعقد الزواج.
2- أن يتضمن
سند التوكيل كامل هوية الشخص المراد عقد الزواج معه.
لا يجوز للوكيل
أن يوكل سواه مهما كان نص الوكالة.
المادة 13: على كل من طالبي الزواج أن يبرز
للمراجع المختصة المستندات التالية:
1- إخراج قيد
مفصل يثبت أنه غير مقيد بزواج قائم (إذا كان لبنانياً)، أو جواز سفر مع إفادة
صادرة عن السلطات المختصة في بلاده تثبت أنه غير مقيد بزواج قائم (إذا كان
أجنبياً).
2- القرار
القاضي بالترخيص كلما كان ذلك واجباً.
3- الشهادة
الطبية الإلزامية المنصوص عليها في القوانين أو الأنظمة النافذة. في حال تعذر الحصول
على أي من المستندات المبينة في البند الأول من هذه المادة، يمكن الاستعاضة عنه
بما يقوم مقامه بقرار معلل تتخذه المحكمة المختصة في غرفة المذاكرة.
المادة 14: يعلق الموظف المختص على باب دائرته
إعلاناً يتضمن اسم كل من طالبي الزواج وشهرته ومهنته ومحل إقامته وعنوان سكنه.
يستمر تعليق
الإعلان مدة خمسة عشر يوماً على الأقل، وإذا لم يجر العقد خلال مدة سنة من تاريخ
انقضاء هذه المهلة، يصار إلى الإعلان مجدداً بالطريقة عينها.
يمكن للمحكمة
المختصة الإعفاء من موجب الإعلان في حالات استثنائية يعود لها حق تقديرها.
المادة 15: لكل ذي علاقة أن يقدم خلال مهلة
الإعلان اعتراضاً أمام المحكمة المختصة بواسطة الموظف المختص بإجراء العقد.
فور تقديم
الاعتراض يمتنع الموظف عن إجراء العقد ويرفع الاعتراض إلى المحكمة التي تفصل فيه
في غرفة المذاكرة بعد الاستماع إلى ملاحظات من ترى الاستماع إليه، وذلك بقرار نافذ
على أصله لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة.
بعد انقضاء مدة
الخمسة عشر يوماً على تعليق الإعلان دون التقدم بأي اعتراض، أو إذا رد الاعتراض،
يجري الموظف المختص عقد الزواج وفقاً للأحكام اللاحقة.
المادة 16: يعقد الزواج في مركز الموظف المختص
التابع له مقام أحد طالبي الزواج، أو مسكنه الدائم، أو مسكنه المؤقت شرط ألا تقل
إقامته فيه عن مدة شهرين سابقة لتقديم الطلب.
يعفى الأجنبي
من أحكام هذه المادة.
المادة 17: يتحقق الموظف المختص من رضى الفريقين
المتبادل بسؤال كل منهما تباعاً عما إذا كان يريد الآخر زوجاً له، وذلك بحضور
شاهدين راشدين، وينبغي أن يكون الجواب بالقبول صريحاً وغير معلق على شرط.
في حال تعذر
التعبير عن القبول بشكل صريح لأي سبب كان، يصح استثباته بأية وسيلة ملائمة،
كالكتابة أو الإشارة المفهمة أو سواهما.
المادة 18: ينظم الموظف المختص محضراً بالواقع
ويسجل عقد الزواج في سجل خاص يوقعه مع الزوجين والشاهدين.
تعطى وثيقة
الزواج للزوجين فوراً.
الفصل الثالث
مفاعيل الزواج
(الواجبات الزوجية)
المادة 19: يلتزم كل من الزوجين تجاه الآخر
بالأمانة، والتعاون، وحسن المعاملة، ويشتركان في شؤون الأسرة وفي تربية الأولاد.
وتبقى لكل
منهما حرية التصرف بأمواله الخاصة، وحرية المعتقد، وحرية العمل التي لا تتعارض مع
الموجبات الزوجية الأساسية.
المادة 20: يلتزم الزوج في الأصل بالإنفاق على
الأسرة.
وعلى الزوجة
المساهمة في الإنفاق إن كان لها مال.
الفصل الرابع
بطلان الزواج
المادة 21: يكون الزواج باطلاً:
1- إذا كان أحد
الزوجين مرتبطاً بزواج سابق قديم.
ولا مجال
للإبطال إذا كان الزواج السابق قد انحل أو أبطل بعد نشوء الزواج الثاني لأي سبب من
الأسباب شرط أن يكون الشريك غير المتزوج سابقاً حسن النية.
2- إذا كانت
بين الزوجين قرابة أو مصاهرة مانعة (المادة 10 من هذا القانون).
3- إذا كان أحد
الزوجين فاقد الإدراك بتاريخ العقد.
4- إذا وقع غلط
في شخص أحد الزوجين أو في صفاته الجوهرية.
5- إذا وقع على
أحد الزوجين إكراه معنوي أو مادي لم يكن الزواج لينعقد لولاه.
6- إذا كان
الغش الجسيم هو الدافع الوحيد والحاسم إلى الزواج.
7- إذا انعقد
الزواج دون مراعاة الصيغة الجوهرية المفروضة قانوناً ولا سيما تلك المتعلقة
بصلاحية الموظف المختص، وبالتحقيق من الرضى، وبتوقيع الزوجين والشاهدين.
المادة 22: دعوى البطلان الناشئ عن فقدان الإدراك أو الغلط أو الإكراه أو الغش لا
تسمع إلا من الفريق الذي كان ضحية أحد هذه العيوب.
ولا تسمع بعد
انقضاء سنة على استمرار الزوجين في المساكنة الفعلية الطوعية بعد اكتشاف العيب أو
زواله.
ولا تسمع في
مطلق الأحوال بعد انقضاء سنتين على اكتشاف العيب أو زواله.
المادة 23: يكون للحكم القاضي ببطلان الزواج مفعول
رجعي، مع حفظ حقوق الغير. غير أن المفاعيل القانونية الناتجة عن زواج باطل تكون
كتلك الناتجة عن زواج صحيح في ما خص الفريق الحسن النية.
ويستفيد
الأولاد دوماً من أحكام الفقرة السابقة.
الفصل الخامس
انحلال الزواج (الطلاق)
المادة 24: ينحل الزواج:
- بموت أحد
الزوجين.
- يتحول جنس
أحدهما إلى الآخر.
- بالطلاق.
المادة 25: يتساوى الرجل والمرأة في حق طلب
الطلاق.
المادة 26: لا يصح الطلاق بالتراضي.
المادة 27: لا يُقضى بالطلاق إلا لأحد الأسباب
التالية:
1- الزنى.
2- الإيذاء
الجسدي المقصود، أو أي إيذاء آخر مهم، أو التهديد بخطر أكيد.
3- الحكم
بالحبس مدة سنتين على الأقل من التنفيذ بسبب جرم شائن.
- الجنون شرط
مرور سنة كاملة على تثبيت الأطباء من استحالة الشفاء.
5- الهجر غير
المبرر لمدة تتجاوز ثلاث سنوات.
6- الغيبة
المنقطعة خمس سنوات على الأقل.
7- انعدام القدرة
على تحمل واجبات الزواج الأساسية.
8- اضطراب
الحياة الزوجية إلى درجة استحالة الاستمرار في العيش المشترك.
المادة 28: قبل المباشرة بإجراءات المحاكمة، على
المحكمة دعوة الفريقين، كلما كان ذلك ممكناً، إلى جلسة مصالحة أو أكثر.
المادة 29: تتمتع المحكمة بحرية واسعة لدى تقدير
وسائل الإثبات المتوافرة في إطار دعوى الطلاق.
المادة 30: تسقط دعوى الطلاق بتصالح الزوجين
صراحة، كما تسقط بوفاة أحدهما. وليس لورثة الزوج المتوفي متابعة دعوى الطلاق
المقامة من مورثهم.
المادة 31: المصالحة وإسقاط الدعوى يمنعان على
الزوج المدعي إقامة دعوى طلاق جديدة مسندة إلى الأسباب عينها، السابقة لإقامة
الدعوى.
المادة 32: حكم الطلاق ينهي الرابطة الزوجية منذ
انبرامه، غير أنه لا ينتج مفاعيله تجاه الغير إلا من تاريخ تسجيله في دوائر
الأحوال الشخصية.
المادة 33: للمحكمة المختصة أن تحكم بالتعويض
وفقاً للقواعد العامة في دعاوى البطلان أو الطلاق.
المادة 34: يمتنع على المرأة أن تتزوج قبل انقضاء
ثلاثمائة يوم على إبطال الزواج أو انحلاله إلا إذا كانت حاملاً ووضعت مولودها قبل
انقضاء هذه المدة، أو إذا رخص لها بالزواج بقرار معلل تتخذه المحكمة المختصة في
غرفة المذاكرة.
الفصل السادس
الهجر
المادة 35: الهجر هو انفصال الزوجين في المسكن
والحياة المشتركة مع بقاء الرابطة الزوجية قائمة بينهما. وهو لا ينتج مفاعيل
قانونية إلا بحكم من المحكمة المختصة.
المادة 36: يمكن تعديل طلب الحكم بالطلاق إلى طلب
الحكم بالهجر ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
المادة 37: فضلاً عن أسباب الطلاق التي تصبح
أساساً لطلب الهجر يمكن إسناد هذا الطلب إلى أحد الأسباب الآتية:
1- الإهانة
الجسدية.
2- الإساءة في
المعاملة إلى درجة غير مألوفة.
3- الجنون وإن
لم يثبت عدم قابليته للشفاء.
المادة 38: يصح الهجر بالتراضي على أن يجري تدوينه
بقرار تتخذه المحكمة المختصة.
المادة 39: بإمكان كل من الزوجين طلب الطلاق إذا
انقضت ثلاث سنوات على انبرام الحكم بالهجر دون عودتهما إلى الحياة المشتركة.
المادة 40: يمتنع على وسائل الإعلام جميعاً نشر
وقائع المحاكمات في دعاوى البطلان والطلاق والهجر.
المادة 41: للمحكمة فور تقديم دعوى البطلان
والطلاق أو الهجر أن تأذن للزوج المدعي بالاستقلال في السكن.
وعليها اتخاذ
التدابير اللازمة في شأن النفقة طوال مدة الدعوى، وفي شأن حضانة الأولاد والقاصرين
وحراستهم والإنفاق عليهم، وذلك بقرارات نافذة على أصلها تتخذ في غرفة المذاكرة.
الفصل السابع
حضانة الأولاد وحراستهم
المادة 44: عند إقامة دعوى البطلان أو الطلاق أو
الهجر، تراعى، في شأن حضانة الأولاد وحراستهم، القواعد الآتية:
1- الحضانة هي
للأم حتى إكمال القاصر السابعة من عمره إذا كان ذكراً والتاسعة إذا كان أنثى.
2- للمحكمة
أيضاً اتخاذ أي تدبير آخر يراعي مصلحة القاصر.
تكون الحراسة،
في كل حال، متلازمة مع الحضانة.
الفصل الثامن
النفقة
المادة 43: تشمل النفقة، المسكن والطعام والملبس
والعلاج والتعليم والخدمة لدى الضرورة.
المادة 44: كلا الزوجين ملزم بالنفقة تبعاً
لموارده عملاً بالمادة 20 من هذا القانون.
المادة 45: تتوجب النفقة كلما دعت الحاجة ووفقاً
لتقدير المحكمة:
1- كل من
الزوجين على الآخر.
2- للأولاد على
الوالدين.
المادة 46: تخضع النفقة لتعديل زيادة أو نقصاناً
كلما دعت الحاجة.
مدخل: قبل رفع الصوت بالقبول أو الرفض لموضوع الزواج المدني، لا بد من دراسة
الأسباب التي ينطلق منها مؤيدو المشروع، ورافضوه ومعرفة رأي رجال القانون وعلماء
الدين بهذا الموضوع، ومتابعة ردة الفعل لدى الرأي العام حوله، لنستطيع بالتالي أن
نتخذ الموقف الملائم تجاه هذا الأمر.
وقد قسمنا هذا المبحث إلى عدة مطالب على النحو الآتي:
ينطلق مؤيدو الزواج المدني من اعتبارات وأسباب متعددة، منها ما هو قانوني
وسياسي واجتماعي إضافة إلى اعتبارات مصلحية ينطلق منها البعض لخدمة أهداف شخصية أو
حزبية. إلا أنه وقبل الدخول، للحديث عن أسباب التأييد، لا بد من إيضاح أمر قد يكون
ملتبساً على الكثيرين من المتابعين لموضوع الزواج المدني. وقد يكون هذا الالتباس
سبباً لاتخاذ البعض([44]) مواقف مؤيدة للزواج المدني، ومرد هذا الالتباس الخطأ
الشائع الناتج عن الاعتقاد بأن عقد الزواج المدني هو عقد حر يتصرف به الأفرقاء
كيفما يشاؤون. وهو سهل الانعقاد لمجرد توافق الإرادتين، وسهل الانحلال بإرادة
منفردة أو بإرادة المتعاقدين. وأنه أشبه بالعقد المؤقت، لأنه يختلف عن العقد
الدائم في الزواج الديني، ويعتقد البعض أن إرادة الزوجين وحدها هي التي تحدد أحكام
هذا العقد ومفاعيله والبعض يتصور أن عقد الزواج يمكن أن يرتب آثاراً قانونية في
علاقة الزوجين وعلى حضانة الأولاد وأحكام التبني والإرث، وعلى الذمة المالية
للزوجين بحرية مطلقة.
ولذلك يعتقد هذا البعض أنه نموذج لحرية الشخص الطبيعي، بخلاف العقود الدينية،
وأن عقد الزواج المدني يصلح لكل زمان ومكان.
وفي واقع الأمر، فإن قانون الزواج المدني هو نظام متكامل له جميع خصائص
أنظمة الأحوال الشخصية الدينية، إلا أنه ينطلق من القاعدة القائلة بفصل الدين عن
الدولة والدنيا معاً، ليعود فيستعير مواده المكونة له من تشريعات الطوائف والمذاهب
المختلفة فيمزجها بعضها ببعض ويخرجها بإطار جديد، يقدم للناس على أنه زواج مدني
«لمجتمع مدني»؟؟
وبالعودة لأسباب التأييد وتوزعها نبدأ بالأسباب القانونية، لننتقل لاحقاً
للكلام عن الأسباب السياسية والاجتماعية.
أ- الأسباب القانونية الموجبة:
تعددت الاجتهادات والآراء القانونية التي أطلقها المؤيدون للزواج المدني
لناحية قانونية تشريع قانون موحد للزواج المدني وللأحوال الشخصية، ومن هذه الآراء:
1- وجود مبدأ قانوني ودستوري يقوم على اعتبار أن تنظيم الأحوال الشخصية ليس
حكراً على الطوائف الدينية المعترف بها، بمفعول القانون الذي أولى هذه الطوائف حق
التشريع لها بالقرار رقم 60 ل. ر الصادر عن المفوض السامي بتاريخ 13 آذار 1936
ولأن هذا القرار ذاته، وفي المادة 17 منه لحظ حقوقاً لأبناء الطوائف غير المعترف
بها، وللذين لا ينتمون إلى الطوائف الدينية كما أنه أجاز في المادة 25 زواج
اللبناني مدنياً في بلد أجنبي وفقاً للأشكال المتبعة في هذا البلد.
2- أنه يحافظ على الحرية الشخصية التي يحميها القانون والدستور. وبهذا
المعنى يقول أحد النواب اللبنانيين «إنني من أنصار الزواج المدني الاختياري، مع
العلم بأن رؤسائي الروحيين لا يوافقون على كلامي، لكن إذا أردنا صنع وطن علينا دمج
البشر، بصرف النظر عن طوائفهم وأعراقهم، ويجب شطب المذهب عن الهوية في البداية،
وإعطاء الحرية الشخصية في مسألة الزواج»([45]).
وتضيف إلى هذا القول إحداهن بقولها: «المسألة مطروحة كخيار، ولا يجوز أن
يمنع الراشدون من اختيار مصيرهم. فما الضرر من وجود اجتهاد قانوني لاختيار زواج
معين. فالزواج عقد بين اثنين يحق لهما وحدهما تقرير شكل الزواج الذي يريدانه»([46]).
3- أنه يؤدي إلى الاستقرار القانوني الاجتماعي، نظراً لاضطرار المواطنين
إلى تغيير مذاهبهم ضمن الديانة الواحدة، وإلى تغيير دينهم أحياناً أخرى.
4- إنه يحقق
توحيد التشريع «لأن في توحيده تتحقق اللحمة بين أبناء الشعب الواحد، نظراً لما
تقيمه الشرائع المختلفة من حواجز بين الإنسان والتوحيد مما يخالف الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان([47]).
6- إنه يحافظ
على السيادة الوطنية، أما كيف؟ فلأنه لا يجوز تطبيق القوانين الأجنبية في المحاكم
المدنية اللبنانية»([49]).
«ولأن مبدأ
السيادة يتصل اتصالاً وثيقاً بخضوع كل المواطنين لقانون واحد، وبسيادة القانون وسيادة
الدولة على كل رعاياها عن طريق تطبيق قانون واحد عليهم، فلا تتعدد ولاءاتهم بتعدد
القوانين التي تطبقها طوائفهم عليهم»([50]).
7- إنه يخفف من
جمود التشريعات والقوانين التي تحكم أنظمة وقوانين المحاكم الشرعية والمذهبية
والروحية في لبنان.
8- إنه مطلوب نتيجة
التزام لبنان بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان «ويظهر ذلك من خلال ما جاء في مقدمة
وثيقة اتفاق الطائف الفقرة (ب)، حيث تنص على أن لبنان ملتزم مواثيق الأمم المتحدة والإعلان
العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ جميع الحقول والمجالات دون
استثناء»([51]).
وقد نصت المادة
16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن «للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق
الزواج، وتأسيس أسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج
وأثناء قيامه وعند انحلاله».
ب- الأسباب
السياسية
تتعدد وتكثر
الأسباب السياسية التي يحتج بها المؤيدون للزواج المدني، وتختلف بمنطلقاتها
وخلفياتها بين طرف وآخر، إلا أن الأبرز في هذه الأسباب هي التالية:
1- إنه يكرس
العدالة الاجتماعية، ويقيم توازن غير مرئي بين الطوائف اللبنانية. ويحفظ التوازن
الديمغرافي بين هذه الطوائف حيث يعتبر أحدهم([52])
«أنه هل يجوز للمسلم أن يتزوج أكثر من امرأة، وأن يكثر في إنجاب الأولاد، ومن ثم
نتشارك أو نتقاسم بحسب العدد، في حين أن بقية الطوائف تحرم الزواج بأكثر من
امرأة».
2- أنه يؤدي
إلى إشاعة الانصهار الوطني «فالغاية منه وضع حجر أساس لنسف تدريجي للبنية الطائفية
للنظام في لبنان. وعبره يتم صهر الشعب اللبناني»([53]).
فالواقع يشير إلى «أن الولاء للطائفة وليس للوطن، هذا الولاء هو وراء تشرذم الشعب
اللبناني وتخبطه في جاهليته، وفي تخلفه، وغرقه في مستنقعات الجهل والتحجر»([54]).
3- إنه يشكل
المدخل لإلغاء الطائفية السياسية لأن في إقراره «ولو اختيارياً يعتبر مقدمة أولى
لا بد منها لإلغاء الطائفية السياسية، ولأن من شأن إقراره والعمل به إتاحة الفرصة
على الأقل للراغبين من المواطنين بالتحرر من مرجعيات الطوائف، وأحكامها ومحاكمها
التي تشبه محاكم التفتيش في القرون الوسطى»([55]).
4- إنه يلغي
امتيازات رجال الدين، وذلك «لأن فكرة الزواج المدني لا تمس الإيمان الديني بشيء،
وما العاصفة الهوجاء التي ثارت مؤخراً إلا عاصفة الخوف على سلطة وامتيازات، تحت
شعار الدفاع عن الدين. وهي عاصفة التخلف التي لا تخدم قضية الإنسان ولا تريد بناء
مجتمع موحد في لبنان»([57]).
ولأنه الوسيلة
الوحيدة لإبعاد رجال الدين عن الدولة «فاستقلال التشريع عن المعتقدات الدينية يكون
بفصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء
القوميين»([58]).
ج- الأسباب
الاجتماعية:
وقد يكون السبب
الأول من هذه الأسباب هو أن قوانين الأحوال الشخصية المتعددة والموزعة على الطوائف
والمذاهب «تعتبر من المعوقات والعقبات التي تحول دون قيام مجتمع موحد، فلو كان
المواطن اللبناني يطبق قانوناً واحداً للأحوال الشخصية لكانت تجذرت في نفسه وفي
عقله فكرة الدولة الواحدة والمجتمع الواحد والمرجعية الواحدة»([59]).
وأما الأسباب الأخرى فنورد أهمها:
- يؤدي الزواج المدني
إلى إنصاف المرأة اجتماعياً، لأن ما هو قائم حالياً هو مجتمع أحادي ذكوري، وآخر
صور هذا المجتمع «هو أن مشروع الزواج المدني وضعته مجموعة من الذكور دون السماح
للإناث بالمشاركة في هذا المشروع الحيوي والضروري لقيام مجتمع سليم»([60]).
- إنه يساهم في
تحرير المرأة المسلمة مما هو مفروض عليها «حتى لا تبقى أسيرة النظرة القبلية
البدوية الذكرية المتعاملة معها كآلة إنجاب تزيد عدد القبيلة. فلا يراد لها الزواج
خارج الطائفة، كي لا تخسر الطائفة. فالزواج المدني يحرر الأولاد والرجل والمرأة من
أحد الانتماءات اللاوطنية»([61]).
- إنه يساعد
على تخفيف الأعباء الاجتماعية والمالية المفروضة على الراغبين به نظراً لما
يتحملونه من نفقات مالية وغيرها من جراء السفر. ويساهم في تمويل الخزينة المالية،
على اعتبار أنه «باب لتمويل الخزينة فبدلاً من أن تدفع الرسوم للطوائف أو في
الخارج فإنها تدفع لخزينة الدولة»([62]).
إضافة إلى هذه
الأسباب المجتمعة التي ذكرنا يبقى أن هناك أسباباً أخرى ومتعددة، ذكرت، ومنها أن
الحداثة تقتضي ذلك «لأنه آن الأوان في بلد يدعي الحداثة أن يعتمد قانوناً موحداً
للأحوال الشخصية»([63]).
وتبقى أخرى لم
نذكرها لما تضمنته من ردود انفعالية على علماء ورجال الدين من غير المستحسن ذكرها.
إن الأسباب التي يستند إليها المعترضون والرافضون للزواج المدني كثيرة
ومتعددة (منها ما هو سياسي، ومنها ما هو قانوني، ومنها ما هو اجتماعي أو ثقافي)، وكثيرة
هي القواسم المشتركة التي تجمع فيما بين رافضي الزواج المدني، وذلك بعكس مؤيديه،
وهذا ما سنتبينه من خلال عرضنا لأسباب الرفض هذه.
أ- الأسباب القانونية:
تكمن أسباب
الرفض القانونية على سبيل المثال لا الحصر بما يلي:
1- بأن الزواج المدني يتعارض مع الدستور، ويؤدي إلى نسفه، على حد قول
البعض: «هذا الطرح للزواج المدني يهدف إلى فك الارتباط بين اللبنانيين وأديانهم،
ويؤدي إلى نسف الدستور والاستقرار في المجتمع...» ([64]).
أما كيف يتعارض
مشروع قانون الزواج المدني مع الدستور، فإن ذلك يظهر من خلال استعمال رئيس
الجمهورية السابق الياس الهراوي للدستور من أجل تمرير مشروعه حيث اعتبر في مقدمة
هذا المشروع «أن من حق الدولة الاشتراع في الشؤون العامة، وفي سن التشريعات
المستلهمة من الدستور نصاً وروحاً، والملائمة مع حاجات المجتمع».
في وقت غاب عن
ذهن صاحب المشروع، أن الدولة حينما انكفأت عن استعمال هذا الحق لم يكن ذلك عن غفلة
من جانب المشترع، بل لأنها اعتبرت أن الأحوال الشخصية من اختصاصات الطوائف وليس من
اختصاصها. فقد تعامل الدستور الأول للجمهورية سنة 1926 مع اللبنانيين باعتبارهم
جماعات طائفية، نظراً لأن لبنان الحديث لم يكن بحدوده الحالية قائماً في أي زمن
سابق. وإن ترسيم الحدود على الشكل المعروف خضع لتجاذبات ومصالح القوى الكبرى
المهيمنة في تلك الفترة، ووفقاً للرؤية المنصوبة لبلدان المنطقة، وقد أعلن المشترع
عن مقصده بالإبقاء على الطوائف بالقوانين والمراسيم التي صدرت([65]).
وهي تنص بألفاظ متقاربة على الاستقلالية التامة للطوائف في شؤونها الدينية والتي
تشمل فيما تشمل قوانين الأحوال الشخصية. وجاء المشترع أخيراً فكرس الاستقلالية
للطوائف في وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الطائف)، وذلك عبر تأكيده على المادة
التاسعة([66])
من الدستور، وأعطى لرؤساء الطوائف الحق في مراجعة المجلس الدستوري في هذه الأمور
بالذات إذا شعروا بأن هناك افتئاتاً عليها.
وما تكريس ذلك إلا
للتأكيد على مبدأ الانسجام بين الدين والدولة. فالدستور في البند (ي) من ديباجته
يتحدث عن المبدأ الأساس في الحياة الوطنية اللبنانية منذ الاستقلال محولاً إياه
إلى نص لا يسع أحد الخروج عليه، حينما يعلن أنه لا شرعية لأية سلطة تناقض ميثاق
العيش المشترك. ومعنى ذلك كله أن مشروع رئيس الجمهورية يستن سُنة جديدة تخالف روح
الدستور الحالي ونصوصه فيما يتعلق بالأحوال الشخصية. وليس بإلغاء الطائفية
السياسية التي وضع لها الدستور آلية لإلغائها، في حين أنه لم يعلن عن أية نية فيما
يتصل بتغيير طبيعة الكيان وإقامته مثلاً على المواطن الفرد وليس على أساس الجماعات
التي يتألف منها الكيان.
وبهذا المعنى
يقول الإمام محمد مهدي شمس الدين([67])
«إن قضايا الزواج والطلاق والميراث والموت وحقوق الزوجية والأولاد تتصل بالإيمان،
وليس من الأمور التي هي تحت سلطة الحكومة والمجلس النيابي. فهي ليست من المساحات
الزمنية التي تدخل فيها سلطة الدولة الزمنية».
وعليه، فإن
وظيفة الدولة بهذا الخصوص هو صيانة خصوصيات المواطن الشخصية وعدم الدخول فيها،
ولأن الدولة يجب أن تكون كما هي في خدمة المواطن لا أن تتحول إلى دين يصبح المواطن
في خدمتها وخدمته.
2- إن القانون
لا يعترف بطائفة غير دينية (ملحدة) «على اعتبار أن المادة 16 من القرار 60 ل ر
تاريخ 13/3/1936 تنص على أنه «يمكن للطوائف الحصول على الاعتراف بها، إذا كانت
تعاليمها الدينية ومبادئها الأخلاقية لا تتعارض لا مع الأمن العام ولا مع الآداب
العامة ولا مع دساتير الدول وسائر الطوائف ولا مع أحكام هذا القرار. وأخيراً إذا
كان عدد المنضوين إلى هذه الطائفة كافياً والضمانات الكافلة استمرار وجودها تبرر
منحها هذه الميزة»([68]).
3- إن الزواج
المعقود في الخارج لا يمس بالسيادة والقانون، لأن الإحالة على القانون الأجنبي هي
بحد ذاتها تشريع داخلي.
4- إنه يعرض
المجتمع اللبناني لأخطار كثيرة، ويفتح الباب أمام تشريعات متعددة. وبهذا يقول
الإمام محمد مهدي شمس الدين «نحن نعارض الزواج المدني ونرفضه ولن نمكنه من أن يكون
شريعة من شرائع لبنان، لأنه مخالف للإسلام والمسيحية، ولأنه يفتح باباً واسعاً
أمام تفتيت المجتمع اللبناني والاجتماعي اللبناني، ويعرضه لأخطار كثيرة وبحجة
الخصوصية سيفتح الباب أما صيغ جديدة للتفتيت داخل الإسلام والمسيحية. فماذا يضمن
أن يقال باسم حقوق الإنسان وباسم احترام الخصوصية أن يطالب بتشريع قوانين للجنس
المماثل للشاذين والشاذات»([69]).
5- إن القول
بالاختيارية في القوانين هو نوع من الهرطقة القانونية «فهل يصح أن نشرع قانونين
تجاريين أحدهما اختياري والثاني إجباري؟ وهل يجوز تشريع قانونين للجزاء يختار
منهما المواطن ما شاء للاحتكام إليهما؟»([70]).
ويضيف المفتي
الصابونجي قائلاً أنه «في الزواج المدني ليست هناك حرية للأفراد في اختيار قانون
أحوالهم الشخصية، لأنهم يخضعون للقانون الذي تضعه الدولة. فيكونون في هذه الحالة
قد انتقلوا من قانون إلهي محكم إلى قانون وضعي تتحكم فيه الأهواء والتصورات
المتغايرة. وتعريض هذا القانون للتبديل والتعديل تبعاً لاختلاف المعايير الخلقية
والتنظيمية، والتي قد تصل الأمور فيه. كما في بعض الدول التي بلغ فيها الأمر - حد
التشريع للزواج المثلي وحرية الشذوذ وإباحة اتخاذ الخليلات والفوضى الجنسية،
وانحلال الأسرة وانتشار ظاهرة الأولاد غير الشرعيين».
هذه بعض أسباب
الرفض القانونية للزواج المدني فما هي الأسباب السياسية الكامنة خلف رفض الزواج
المدني.
ب- الأسباب
السياسية
تتفاوت هذه
الأسباب إلا من أهم ما جاء فيها:
1- التوقيت
السياسي الخاطئ حيث يقول البعض «لماذا يطرح هذا الموضوع الآن ومن قبل حُكم لم يسع
إلى إلغاء الطائفية السياسية، بل يمارس كل يوم ممارسات مذهبية، فكل الممارسات أكان
في الإدارة أو في الحكم أو في الوزارات هي ممارسات طائفية ومذهبية وممارسات تتنكر
لكل قواعد الديمقراطية والحرية في لبنان من هنا يحق لنا طرح السؤال التالي: من أين
جاء هذا الوحي المفاجئ لطرح هكذا موضوع»([71]).
وإضافة إلى ذلك
فهو يشكل نشازاً عن مبدأ التوافق. وبهذا يقول الرئيس سليم الحص «إن طرح الزواج
المدني غير موفق سواء بتوقيته أو بصيغته، فقد شكل نشازاً عن مبدأ التوافق الذي
يقوم عليه النظام اللبناني أساساً»([72]).
2- إنه لا يساعد على الانصهار الوطني «لأن المجتمع
الذي لا يقوم ولاءه الوطني إلا عن طريق العلاقة الزوجية الحميمة هو مجتمع واهٍ،
ذلك لأن المواطنية الصادقة لا تنشأ عن تخلي الزوجين عن مواقعهما الدينية. فالزواج
المختلط قد يكون أحد أهم أسباب النزاع في المجتمع. فإذا اختلف الزوجان المختلفان
دينياً ولجأ كل طرف إلى أهله وطائفته ليستنصر بهم، ينشأ عن تلك الخلافات صراع
طائفي ديني»([73]).
3- إنه يؤدي
إلى تهديد الوحدة الوطنية، لأنه يحرض المسلمين على الخروج على دينهم «لأن موضوع
الزواج المدني أخطر بكثير مما يظن البعض»([74]).
ولأن «الزواج المدني خروج على تعاليم الكنيسة، ويساهم في تفكك الأسرة»([75]).
ولأن في تشريعه تهديد وتحدي للمجتمع «فالشارع لا يسن قوانين يتحدى بها المجتمع من
أجل شريحة صغيرة من شرائحه»([76]).
4- إنه ليس
مدخلاً واقعياً وحقيقياً لإلغاء الطائفية السياسية. فهو في أحسن الأحوال سيضيف إلى
بقية الطوائف طائفة جديدة، فيزداد عدد الطوائف من 18 إلى 19 طائفة على اعتبار أن
الإلغاء يكون للمادة 95 من الدستور التي نصت وكرست الطائفية السياسية، وليس المادة
9 من الدستور التي تعتبر أساس وجود لبنان وميزته ونكهته التي يتميز بها عن غيره من
الدول في العالم فهو أرض اللقاء.
ج- الأسباب
الاجتماعية:
وهي كثيرة نذكر
منها:
1- أن الزواج
المدني ليس مطلباً لبنانياً بحسب الأبحاث السوسيولوجية، وهذا ما أكد عليه أحد
دكاترة علم الاجتماع([77])
بقوله «اعتبر أن موضوع الزواج المدني ليس مطلباً لبنانياً بحسب الأبحاث
السوسيولوجية، نظراً لأن الفرز الطائفي والاجتماعي الذي أوجدته الحرب جعل الزواج
المختلط صعباً ولأن بعض الأوساط تعتقد أن دعاوى الطلاق في الزواج المدني أسهل.
وهذا اعتقاد خاطئ تماماً»([78]).
إذن فهو حل
غربي لمشاكل المجتمعات الغربية على اعتبار أن «الزواج المدني حل فرضته الدول
الغربية على مواطنيها في وجه الكنيسة لاعتبارها أن المواطنين متساوون أمام
القانون، وإن تأسيس العائلة شأن مجتمعي محض لا داعي لتدخل الأديان فيه»([79]).
2- إنه يساهم
في تفكيك الأسرة ويتحدى المجتمع «فقد أجرى الباحثون أبحاثاً برهنت على أن تفكك
الأسرة في المجتمع الغربي صاحب نهج الزواج المدني، وإن الزوج والزوجة لدى انفصام
أسرتهما يستعيضان عن ذلك بتربية حيوان أليف»([80]).
3- إن المجتمع
يرفض العلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية «فحتى غير المتدينين من
المسيحيين والمسلمين بالمعنى الدقيق للتدين، فإن هؤلاء يتمسكون بقيام علاقة شرعية
بينهم وبين أزواجهم وزوجاتهم، وذلك لحساسية العلاقة الزوجية وأهميتها من الناحية
الاجتماعية»([81]).
وعليه فإن
التشريع الوضعي للعلاقة الزوجية ينزع الصفة القدسية للزواج، ويجعل علاقة الأفراد
نفعية مادية وخالية من الروحية التي يضفيها الدين.
4- لا يوجد
لدينا مجتمع مدني بالمعنى الدقيق للمفهوم، حتى يكون من الممكن فرض مفهوم الزواج
المدني على هذا المجتمع، وبالتالي لا يجوز امتحان مجتمعنا الحاضر بهذه الفكرة التي
تدخل إليه عنوة، في الوقت الذي لم يتجهز هذا المجتمع لمثل هكذا أفكار. ومن الإنصاف
إطلاق وصف ومفهوم المجتمع الأهلي على مجتمعنا خصوصاً وعلى مجتمعاتنا العربية
عموماً، وبالتالي لا يجوز تحميل هذا المجتمع ما لا يستطيع تحمله، نظراً لحساسية
الموضوع ولارتباطه ارتباطاً وثيقاً بتكون الأسرة التي هي نواة المجتمع «فنشوء
مفهوم الزواج المدني جاء ضمن سياق تطور اجتماعي حدث في أوروبا أو في ظل الصراع مع
الكنيسة التي احتكرت الدين والدنيا معاً طيلة قرون بالرغم من أن المسيحية شرعت
للآخرة وحدها([82]).
5- نظراً
لارتباط الأحوال الشخصية باعتبارات عفوية أصبحت من ميزات المجتمع اللبناني «فإذا
شئنا أن نتلمس حقيقة المجتمع اللبناني مسيحياً أو مسلماً متوغلين في عمقه، وليس في
قشرة الواقع المظهري للحياة الاجتماعية، فإن مكونات الأسرة تعتمد في صورة أساسية
على جملة أعراق وقواعد وتقاليد تنتمي إلى جذور العقيدة الدينية. فجوهر تكوين
الأسرة يرتبط بالعلاقة بين أفرادها حيث تتحكم فيها التجربة التاريخية التي كونت
المجتمع اللبناني من مسيحيين ومسلمين عبر عصور طويلة»([83]).
د- أما الأسباب
الثقافية
التي تدفع
باتجاه رفض الزواج المدني، فهي الاختلاف الفكري والثقافي ما بين غرب لا ثوابت فيه
وشرق أساسه الثوابت. فالجذور الثقافية التي تقوم عليها حضارة الغرب هي جذور ليست
لديها ثوابت بالنسبة للاجتماع الإنساني. فمثلاً إن مؤسسة الأسرة التي عرفها الغرب
كانت مرحلة من مراحل تكون المجتمع الغربي، وليست خلية دائمة وثابتة في تطور
المجتمع، بدليل أن فكرة الأسرة برأي علماء الاجتماع والفلسفة الغربيين قد تخطاها
الزمن على اعتبار أن فكرة المؤسسة التي قام عليها الزواج المدني في الغرب قد أدت
ما عليها، ويجب أن ينتقل المجتمع من مرحلة الأسرة إلى مرحلة ما بعد الأسرة..
أما في الشرق
حيث الحضارة الإسلامية، فهناك ثابت لا يقبل التغيير وهو أن الأسرة هي نواة
المجتمع. فهي بهذا المعنى إطار ضروري لبناء مجتمع قوي وممانع، ولا يمكن بالتالي
القبول بطرح مفاهيم الغرب على واقع مجتمعاتنا الشرقية. علماً بأن الفقه في الإسلام
قابل للتغيير، بعكس الشريعة الثابتة غير القابلة للتغيير، حيث يمكن إدخال تغيرات
في الصيغ والقوانين المعمول بها في المحاكم الشرعية والمذهبية، لجهة التشدد في
تعدد الزوجات أو في أمور الطلاق أو غيرها من الأمور التي يعبر عنها مجازاً بمناطق
الفراغ التشريعية التي يمكن دخولها وملؤها انطلاقاً من كون الإنسان كائناً مختاراً.
ومن المفيد في
هذا المجال القول بأن المؤيدين والرافضين اتفقوا على ضرورة إجراء استفتاء للرأي
العام لمعرفة اتجاهاته والأخذ بها عند الضرورة، فماذا قال الرأي العام؟
قبل أن يعرض رئيس الجمهورية الياس الهراوي مشروع
قانون الأحوال الشخصية الاختياري على مجلس الوزراء، حمل وزير العدل في حينه على
هذا المشروع وضعه على مشرحة نخبة من رجال القانون في لبنان تلتقي في إطار لجنة
توحيد وتحديث القوانين في وزارة العدل «وقد اشترك في نقاشه كل من رئيس اللجنة وزير
العدل السابق د. بهيج طبارة ونقيبي المحامين في بيروت والشمال أنطوان إقليموس
وجورج طوق، ورئيس الغرفة الأولى لدى محكمة التمييز القاضي سامي عون، والنقباء
السابقين في نقابة المحامين مارسيل سيوفي، ميشال خطار، شكيب قرطباوي والمحامين
سليم العثمان، د. صلاح الدين دباغ، د. فايز الحاج شاهي، ريمون فرحات، د. جورج
خديج، وليد قصير، ماري غسطين، وليد عاطف النقيب ود. بشير البيلاني»([84]).
وقد أسفرت
المناقشة للموضوع عن ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول:
وهو رأي قلة من
المجتمعين اعتبرت أن المشروع جيد مستندة في رأيها إلى الأسباب التالية:
1- يجب أن لا
يبقى المجتمع اللبناني خاضعاً لسلطة رجال الدين.
2- رفع الغرامة(*)
المفروضة على الراغبين بالزواج المدني، والذين يضطرون للسفر إلى الخارج من أجل
إجراء عقد زواجهم المدني.
3- إن الدستور
اللبناني أعطى لكل لبناني الحق في تغيير دينه، وبالتالي يجب إعطاءه الحق في اختيار
الزواج المدني.
أما الاتجاه
الثاني: ويمثل رأي قلة
عارضت طرح المشروع من حيث المبدأ، مستندة في ذلك إلى أسباب عديدة منها:
1- إنه يشجع
على تفكيك العائلة. ففي فرنسا لم تعد تستعمل قانونياً كلمة العائلة، بل أصبحوا يستبدلونها
بكلمة Couple
«الزوجين».
2- إنه ينطوي
على خرق للمادة التاسعة من الدستور اللبناني.
3- إنه يبعد
العامة عن القيادة، فالعامة ترفض المشروع والقيادة تشجع عليه وتدعمه.
4- أنه ليس
بالزواج يتحقق الانصهار الوطني. ففي يوغسلافيا السابقة حصل تعايش وانصهار قسريان
داما سبعين عاماً، ثم انتهى هذا التعايش إلى مجازر عنيفة بين الطوائف الدينية
هناك.
وأما عن
الاتجاه الثالث، فهو يمثل رأي
الأكثرية في لجنة تحديث القوانين المذكورة(*)
- حيث اقترح إيجاد تشريع ينظم الزواج بشكل موحد في لبنان، لكنه اعترض على توقيت
طرح المشروع وعلى تقديمه على ما هو أهم منه. والأسباب التي استند إليها هذا
الفريق، هي التالية:
1- أن الوضع
السياسي في لبنان لا يحتمل الآن مثل هذا المشروع، لأنه يزيد النعرات الطائفية.
2- يدب مسبقاً
معالجة وضعية اللبناني الذي ينادي بالعلمانية، وبعد انتمائه إلى أي طائفة. فلا
يمكن طرح الزواج المدني قبل الاتفاق على العلمنة، ففي بلد مثل لبنان لا يمكن لشخص
أن يكون مواطناً، إلا إذا انتمى إلى طائفة معينة، فكيف يؤخذ بالعلمنة مع وجود نظام
سياسي طائفي.
3- إن لبنان لا
يزال في موضوع العلمنة بعيداً عن اللحاق بمسيرته في العالم. ففي فرنسا يوجد مشروع
مطروح لمعالجة مسألة المساكنة الحرة بين الرجل والمرأة (Union Libre) وبالتالي يجب
البدء في طرح قضايا يقبل بها المجتمع، لتكون مرحلة تمهيدية لهكذا موضوع.
4- إذا كنا لا
نستطيع تجاهل رأي رجال الدين في المسائل السياسية، فكيف يمكن أن نأخذ منهم صلاحيات
دينية كرسها لهم الدستور والقانون؟
هذا على صعيد
فكرة المشروع، أما عن بنية المشروع القانونية، فقد أجمع المجتمعون على رأي موحد،
وهو أن هذا المشروع مليء بالثغرات التي تحوله إلى مجرد أداة ملهاة للشعب، وليس إلى
طرح مشروع قانوني سليم بحيث يحقق الغايات المرجوة منه.
أما المآخذ
القانونية على هذا المشروع فهي عديدة نورد بعضاً منها:
1- أنه يبقي
على المشكلة القانونية المرتبطة بالزواج المدني المعقود في الخارج على حالها،
بمعنى أن اللبناني الذي يتزوج في قبرص مثلاً وبعد إقرار القانون المقترح، فإن
القانون القبرصي هو الذي يبقى مطبقاً عليه، الأمر الذي يحول المشروع إلى مجرد أداة
لتوفير ثمن تذكرة السفر والنفقات إلى قبرص فقط.
2- إن مفاعيله
تمتد حصرياً إلى من تزوج مدنياً في ظله، فيستحيل التطبيق لجهة مسائل عدة كالإرث
والوصية، على اعتبار أن المشروع يقيم فصلاً حاداً بين تكوين الزواج وآثاره.
إلا أن
المجتمعين توافقوا على ضرورة وضع المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية تحت إشراف
الدولة.
هذا هو رأي
رجال القانون بمشروع الزواج المدني فما هو رأي علماء ورجال الدين به.
الزواج المدني
أ- رفض الكنيسة للزواج المدني:
إن الأسباب والمنطلقات التي تبرر للكنيسة رفض الزواج المدني، واعتباره فيما
لو حصل لاغياً وغير موجود، هي عديدة نذكر منها الآتي:
1- إن الزواج سر مقدس على اعتبار أن «الخالق هو الذي أسس الزواج وسن له في
الكتب المقدسة شرائعه الخاصة، ورفعه السيد المسيح u إلى رتبة السر المقدس، وجعله أحد
أسرار الخلاص السبعة(*) وهو يخضع للشرعين الإلهي والكنسي. وهما من صلاحية
الكنيسة وحدها دون سواها»([85]).
وقد تم التأكيد على هذا السبب الأساسي في بيان مجلس البطاركة والأساقفة
الكاثوليك الذي اعتبر «أن تعاليم الكنيسة التي حددت الأسرار السبعة ملزمة لجميع
المؤمنين شرقاً وغرباً، والسيد المسيح u نفسه هو الذي أسس هذه الأسرار، وعلى المؤمن الحريص
على إتمام إيمانه أن يؤمن بها كلها. وإذا استثنى منها أحدها أو بعضها يكون قد وقف
من عقائد الإيمان موقفاً انتقائياً، وعرض نفسه لعدم الاستفادة من الأسرار الأخرى»([86]).
وجاء الرفض
القاطع للزواج المدني أيضاً على لسان بطريرك الروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع هزيم
بطريك أنطاكية وسائر المشرق، حيث اعتبر «أن الزواج يجب ألا ينفذ إلا في حضور الله»([87]).
2- إن اكتمال
عقد الزواج في نظر الكنيسة لا يتحقق شرعياً وصحيحاً إلا بتوفر شروطه الجوهرية
الثلاثة، وهي أهلية طالبي الزواج ورضاهما الواعي الحر، والصيغة الدينية الكنسية
التي تجعل عقد الزواج صحيحاً وشرعياً وفي الوقت عينه سراً مقدساً. فتبادل الرضى
يجب أن يتم أمام الكاهن المختص، وبوجود شاهدين، إضافة إلى بعض الأمور التي يجب أن
تتوفر أثناء عقد الزواج(*).
في حين أن
الزواج المدني العلماني المنظم من السلطة المدنية يتم ابتداءً أمام موظف في
الأحوال الشخصية، مما يُفقد عقد الزواج سريته وقدسيته. لذلك «إذا عقده مسيحيان
وفقاً للصيغة المدنية كان زواجهما لاغياً وغير موجود»([88]).
3- إن ديمومة
الزواج ووحدانيته ترفض الزواج المدني الذي يقر الطلاق، في حين أن لا طلاق في
الكنيسة أبداً. فالكنيسة الكاثوليكية لا تعترف لأية سلطة بشرية بحق فسخ الزواج أو
حله بالطلاق، وذلك استناداً إلى ما أعلنه السيد المسيح u
بقوله «إن الذي خلق من البدء ذكراً وأنثى خلقهما كذلك وقال: لهذا يترك الرجل أباه
وأمه ويتحد بامرأته، ويكونان كلاهما جسداً واحداً. إذاً ليسا هما اثنين بل جسد
واحد، وما زوجه الله لا يفرقه إنسان»([89])،
وانطلاقاً مما
ورد في إنجيل متى، فإن الكنيسة الكاثوليكية لا تُقر بالطلاق المدني([90])،
سواءً للذين عقدوه وفقاً لأحكامه وهم ليسوا بملزمين بقوانين الكنيسة، أو للذين هم
من أبنائها الذين عقدوا زوجاً مدنياً، ثم صححوه بزواجهم الكنسي. ففي هذه الحالة يبقى
الرباط الزوجي قائماً بالنسبة للكنيسة، ولا يتمتع الزوجان بمطلق حالهم لعقد الزواج
أمامها من جهة. ومن جهة ثانية يقع نزاع كبير بين المحاكم الكنسية ذات الصلاحية
بسبب الزواج الكنسي وبين المحاكم المدنية ذات الصلاحية أيضاً بسبب الزواج المدني،
وبذلك تكون الدولة قد ورطت المواطنين في مشاكل مع الكنيسة، تمس ضمائرهم وخيرهم
ومصالح عائلاتهم.
وإذا كانت
الكنيسة الأرثوذكسية قد أوجدت بعض الأسباب التي تجيز الفسخ لعقد الزواج أو حل
الزواج، فإنها لا تزال تعتبر أن من خصائص عقد الزواج ديمومته ووحدانيته.
إضافة إلى
الأسباب التي ذكرت، فالكنيسة تعتبر أن المبررات التي رفعت في سياق الحملة على
الزواج الديني، والترويج للزواج المدني وإطلاق شعار حرية المعتقد والاختيار، إنما
هي حملة واهية بشعاراتها. ففيما يعود لحرية المعتقد، فإن لهذه الحرية حدوداً وضعها
الشرع الكنسي والإلهي، ولا يمكن تجاوزهما لأن «الالتزام الديني لا يحتمل التجزئة
والانتقائية، والمحافظة على جميع الوصايا واجب ملزم، وإذا حُذفت إحداها فكأنها قد
حُذفت جميعها على ما يقول يعقوب الرسول: «من عمل بالشريعة وحدها وقصر في وصية
واحدة منها أخطأ بها كلها، لأن الذي قال: لا تزن قال أيضاً: لا تقتل. فإن قتلت وما
زنيت كنت مخالفاً للشريعة». وهذه هي حال من يقول: إني مؤمن واذهب إلى الكنيسة
واعترف للكاهن، وأريد أن أعقد زواجاً مدنياً، وهذا أمر لا شأن للكنيسة به لأنه
يخصني شخصياً. إن مثل هذا القول يدل على جهل بأمر الدين المسيحي، ولا يأتلف مع
العقيدة المسيحية([91]).
4- التذرع بحرية المعتقد تحايلاً على الكنيسة: تتهم الكنيسة من يرفع شعار
حرية المعتقد بالاحتيال على القوانين، حيث اعتبرت «أن حرية المعتقد تشوه بالاحتيال
على القوانين، حيث اعتبرت «أن حرية المعتقد تشوه بالاحتيال على القوانين عندما
يغير مؤمن كاثوليكي مذهبه، ويعتنق مذهباً آخر ليستفيد من أحكام الطلاق عنده. فهذا
العمل مشين، لأنه مخالفة قانونية وانتهاك للمقدسات. فالقانون المدني اللبناني
يعتبر أن السلطة التي تنظر في النزاعات الزوجية هي تلك التي عُقد أمامها هذا
الزواج (قانون 2 نيسان 1951 مادة 14 منه). والمخالفة هذه انتهاك لقدسية كل من
المذهب الأصلي والمذهب المنتحل»([92]).
5- التضليل
بحجة حرية الاختيار، إذ القول بالصفة الاختيارية المطلقة للزواج المدني لمشروع
الأحوال الشخصية، والاحتجاج بهذه الصفة تُظهر أن القائلين بها يهربون إلى الأمام
بعدم إفصاحهم عن النية الحقيقية التي يضمرونها، وهو تحويل هذا الاختيار إلى إلزام.
فالكنيسة ترى «بأن السلطة ومن معها من أصحاب المشاريع العلمانية المدنية بإطلاقها
صفة اختياري على الزواج المدني وقوانين الأحوال الشخصية، إنما تحرض المواطنين
المنتمين إلى إحدى الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام التي يعترف بها
الدستور، وفقاً لبنية لبنان الاجتماعية غير العلمانية، على مخالفة شرائع دينهم
وقوانين أحوالهم الشخصية. وبذلك لا تضمن احترامها، كما يقضي الدستور في مادته
التاسعة، بل تفتعل مشاكل داخلية روحية واجتماعية بين المؤمنين وسلطاتهم الروحية،
وتخالف الخير العام»([93])؟
وإلا فلماذا مشروع قانون الأحوال الشخصية الاختياري «يطبق بصورة إلزامية على
الأشخاص الذين يختارون الخضوع لأحكامه عن طريق إجراء عقد زواجهم وفقاً للصيغ
المحددة» المادة الأولى من مشروع الرئيس الهراوي، ولماذا يعفى في المقابل أبناء الأديان
والطوائف من تطبيق قوانين أحوالهم الشخصية بصورة إلزامية.
هذا غيض من فيض
الرفض الذي أبدته الكنيسة ورجال الدين فيها اعتراضاً على مشروع قانون الأحوال
الشخصية الذي تم اقتراحه.
وماذا عن تعارض
الزواج المدني مع التشريع الإسلامي، وبالتالي معارضة علماء الدين المسلمين له؟
ب- تعارض الزواج المدني مع الشرع
الإسلامي
تمهيد:
لعل البعض
يتوهم أن سبب معارضة المسلمين للزواج المدني تعود لتشبث المراجع الدينية بسلطانهم
على أبناء طوائفهم، أو لموقف هذه المراجع المتمثل في عدم إطلاق حرية المواطن في
الاختيار؟
ففي المنظور الإسلامي،
فإن هذين الأمرين مردودان معاً، لأن المراجع الدينية الإسلامية لا تملك سلطة خاصة
تمكنها من التسلط على الناس. فالمرجع الديني الإسلامي هو إما واعظ يرشد، أو مفتٍ
يبين حكم الشرع، أو قاض يحكم بما أنزل الله، ودون أن تكون له منزلة تخوله منح
البركة أو حجبها، ودون أن يكون لموقعه دور في التدخل بالحريات، إذ لا يترتب على
وجود وما يمارس من شعائر أي شرط في إتمام العقد الزوجي أو قيامه أو انقضاء حرمة
قررها الشرع الإلهي.
فموضوع صلاحيات
المراجع الدينية لا يتعدى في موضوع الزواج بيان الحلال والحرام، وتطبيق الأحكام الشرعية
دون أن يكون لها الحق في التضييق على أحد أو التفسيح لأحد، ودون أن يكون لوجودها
أو عدمه أي تعلق بصحة الزواج أو بطلانه. إضافة إلى أن دور المسجد غير دور الكنيسة،
ولا يوجد في الإسلام «دع لقيصر ما لقيصر، وما لله لله»، بل يعلن الإسلام أن قيصر
وما له كله لله الواحد الأحد.
فالموضوع لا
يتعلق بدور المرجعيات الدينية، وإنما يتعلق بتطبيق أحكام شرعية لا يجوز الخروج
عليها، أو تسهيل الخروج منها.
أ- معارضة
الزواج إسلامياً
الزواج في
الإسلام، وإن كان يتخذ طابع الزواج المدني، بصيغة عقده، إلا أنه ليس زوجاً
علمانياً، لأن الزواج العلماني يتعارض تعارضاً شبه تام مع الشريعة الإسلامية.
ويبرز هذا
التعارض مع مشروع الأحوال الشخصية المقترح في عدة نواحي أهمها:
1- أن القانون
المقترح يلغي شرط الدين في الزواج، لكي يسمح للمسلمة الزواج بغير المسلم. أما
العكس فهو حاصل (أي زواج المسلم من غير المسلمة)، ويرد على هذه الإباحة أن هناك
إجماعاً للأغلبية الساحقة من الفقهاء المسلمين يحرم زواج المسلمة من غير المسلم.
وهذا المنع أو التحريم لم يكن وليد ظرف تاريخي سياسي، ولم يكن وليد أحداث فرضت هذا
المنطق. وإنما جاء هذا المنع لأسباب فقهية يفرضها واقع العيش في الأسرة لجهة تأمين
الانسجام في العلاقة الإنسانية وإبعاد الأولاد عن دائرة الصراع الفكري بين الأبوين
ضمن الأسرة.
فالمسلم يعترف بالمصدر الإلهي للديانتين اليهودية والمسيحية، ويرى أن
الإسلام يتضمن مبادئها الأساسية. لذا يتيح الشرع الإسلامي للمسلم أن يتزوج من غير
المسلمة، ولكن لا يسمح للمسلمة بالزواج من غير المسلم، لأن هذا الأخير لا يسمح لها
بممارسة شعائرها الدينية انطلاقاً من معتقداته الدينية التي لا تفرض عليه الاعتراف
بدين زوجته.
لكن السؤال
الذي يُطرح ويُقلق البعض([94])
هو ماذا لو تزوجت المسلمة من غير المسلم، هل يقام عليها الحد وتعتبر مرتدة؟
يجيب على هذا
التساؤل الإمام محمد مهدي شمس الدين بقوله «هذه المسألة غير قابلة لإعطاء شرعية من
قبلنا. أما إذا حصل وأن رجلاً غير مسلم تزوج من مسلمة، فشرعية الزواج من ناحية
مدنية ووضعية في لبنان موجودة. ونحن لم نثر مشكلة أمام أي زواج وأمام أي شرعية
زواج من هذا القبيل، حيث توجد زيجات نعرفها ونراها موجودة في المجتمع، وهي أمر
واقع في المجتمع. ولكن نحن باعتبارنا شرعيين لا نستطيع أن نعقد زواجاً من هذا
القبيل، ولا نستطيع أن تعطي شرعية إسلامية فقهية لهذا الزواج»([95])،
2- إنه يمنع
تعدد الزوجات. وهذا ما يتعارض مع النص القرآني القائل، ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ (النساء: ٣) رغم أن القرآن الكريم قد قيد الإباحة
المتعددة بشروط معينة(*).
3- إنه يحلل
البنوة غير الشرعية. والمقصود بها في المشروع المنع القاطع من تعدد الزوجات. فلو
أن رجلاً تزوج حسب أحكام هذا المشروع ثم أنجب من امرأة ثانية، فإن الولد يبقى غير
شرعي وحتى ولو وافق الزوج وزوجته الأولى على تبنيه وهذا ما يخالف الإجماع الفقهي
في جواز استلحاق الابن بالوالد سنداً للحديث الشريف «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
4- إنه يجيز التبني، حتى لو كان والدا المتبني
معروفين شرط موافقتهما، ويناقض ذلك نصاً قرآنياً حيث يقول المولى عز وجل ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ (الأحزاب: ٤ – ٥).
5- إنه يبيح
الهجر بالتراضي، حيث سمح المشروع بهذا الأمر. فالمادة 35 منه نصت على أن «الهجر
انفصال الزوجين في المسكن والحياة المشتركة مع بقاء الرابطة الزوجية القائمة على
أن يجري تدوينه بقرار تتخذه المحكمة» وهذا ما يتناقض مع الشريعة الإسلامية كون الهجر في الإسلام هو هجراً في المضجع ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ (النساء: ٣٤) فقط مع
بقاء المساكنة والمؤاكلة والمجالسة، وهو نوع من التأديب الأدبي يمارسه الزوج
المسلم إزاء زوجته.
6- إنه يمنع الطلاق
بالتراضي، إذ أن الطلاق ينبغي أن يكون حسب المشروع المقترح نتيجة خصومة ونزاع.
7- إنه يحدد عدة المطلقة
بثلاثمائة يوم، وهذا مخالف للنص القرآني القائل ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ( البقرة: ٢٢٨).
8- إنه يبيح الزواج من
الأخت بالرضاعة، فقد نص المشترع في مادته العاشرة على أن قرابتي النسب والمصاهرة
وحدهما تمنعان من الزواج، وهذا ما يتعارض مع نص قرآني صريح ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ (النساء: ٢٣).
هذا أبرز أسباب تعارض الزواج المدني العلماني مع الشريعة الإسلامية ويمكن
القول إن معارضة العلماء المسلمين تنطلق من الأسباب التي أرودناها، وليس من أي
خلفية أخرى. فحرص العلماء على الشريعة هو حرص أولاً وأخيراً على الإنسان، وعلى
القيم، وعلى الأحكام التي لا يجوز أن تكون خاضعة للتعديل، لأنها في القسم الأكبر
منها من الثوابت في الشريعة، والتي لا تقبل التبديل أو التعديل أو التغيير. ولو
سمح بتدخل الدولة في هذه المساحة الخصوصية للإنسان المؤمن مع ربه، فقد تتجرأ
السلطة على التدخل في تحديد أمور أخرى، كالصلاة والصوم، كما فعل الرئيس التونسي
بورقيبة(*) عندما تدخل في أحام الصلاة والصوم، فسمح للموظفين
بالإفطار بحجة أن الصوم يؤثر على الإنتاجية وهذه أمور لا يمكن تقبلها، لأنها تعطل
ركناً من أركان الدين، والتي لا يحق لأحد أن يعطلها كونها شرع الله في دينه، وليس
معاملة وضعية يجوز التصرف بها.
إذا كانت العلمانية تعني عدم انبثاق السلطة والتقنين من مبدأ ديني، فإن
النظام القائم في لبنان هو نظام علماني نظراً لعدم قيام التشريع على الدين، ولأن
شرعية السلطة غير مستمدة منه. ذلك لأن السلطة بموجب الدستور اللبناني مستمدة من
الشعب اللبناني عبر مجلس النواب، والذي يعتبر المؤسسة الأم في التشريع. وبهذا
المنحى يقول الإمام موسى الصدر «الدولة والقوانين في لبنان كلها، ما عدا الأحوال
الشخصية، علمانية»([96]).
أما لما ذا الاستثناء طالما أن القوانين
بمجموعها علمانية؟ فيجيب الإمام موسى الصدر بقوله «إن علمنة الأحوال الشخصية تدفع
المجتمع اللبناني إلى التفاهة، وافتقاد نكهته الخاصة»([97]).
ومما لا شك فيه
أن المجتمع اللبناني قائم على خصوصية التنوع الديني، مما يجعل منه مجتمعاً ذي نكهة
خاصة، ويشكل في تنوعه الديني نموذجاً فريداً في تاريخ الدول والمجتمعات خصوصاً إذا
ما لاحظنا التوازن القائم بين العائلات الدينية التي ساهمت في تبلور صورة لبنان كوطن
غني بالتنوع الديني وتعدد الثقافات. فلبنان يكتسب معنى وجوده، وتاريخه وجغرافيته،
من الطابع الديني الإيماني الذي يطبع الهوية اللبنانية. هذه الهوية التي تقوم على
فكرة الوحدة في التنوع كخصيصة من خصائص الواقع اللبناني «لأن لبنان هو أرض اللقاء»([98]).
وعلى هذا الأساس يقول الإمام محمد مهدي شمس الدين: «إن الدولة اللبنانية هي دولة
علمانية مؤمنة، إذ أنها تفسح للإيمان الديني مكاناً ليس في هيكل السلطة ولا في
هوية النظام ولا في محاولة التشريع، وإنما من حيث الاعتراف بالإيمان الديني،
واحترام الأديان، واحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية للطوائف
اللبنانية»([99]).
فسر وجود لبنان
هو التنوع والغنى الديني، حيث يعتبر المفتي طه الصابونجي «إن لبنان بلد الأديان،
وذلك سر وجوده ومبعث تميزه، وتلك خصوصية يتفرد بها بين دول العالم. فمجال الطبيعة
ليس وقفاً عليه، ورواج السياحة لا يتفوق بها، والمهارة في تقديم الخدمات لا تمنحه
جائزة التسابق. إن لبنان وحيد بين دول العالم في كونه بلد الأديان، وملتقى
المؤمنين في حوار وجودي متجانس ومستمر يفوق الحوار التخاطبي، ويؤكد على وحدة الدين
في نشأته وغايته» وهنا يتساءل المفتي الصابونجي «هل ينقلب الوضع وتصبح لعبة البعض
مطاردة الدين، وإخراجه من مواقعه الهادية الجامعة؟ وتقع الدولة في شرك المتربصين
بالدين»([100]).
اقتراح طائفة
للعلمانيين:
إن الحل الذي
يقترحه البعض هو استحداث طائفة تاسعة عشرة هي طائفة العلمانيين أو طائفة الزواج
المدني الموحد، إنما هو حل يتناقض مع العلمانية على اعتبار أنه يعطي معنى الدين للعلمانية،
والعلمنة ضد الدين. وهذا الحل ينطوي على توسيع للطائفية، في وقت يطالب بإلغائها.
وفي الوقت الذي يمنع فيه الدستور بمادته التاسعة من تشريع طائفة علمانية فإن
المادة 16 من القرار 60 ل ر 13/3/1936 نصت على ضرورة توفر شروط محددة بالدين، فهذا
القانون لا يعترف بطائفة غير دينية.
أما القول بأن
علمنة الأحوال الشخصية تؤدي إلى إلغاء الطائفية السياسية، فهي قول فيه تمويه
للحقيقة ومجافاة لها، على حد قول الإمام محمد مهدي شمس الدين حيث يفرق بين
الطائفية الدينية وبين الطائفية السياسية. فالطائفية الدينية عنده هي «مظهر الالتزام
الديني لجماعة من الناس بعقيدتها وشريعتها وعاداتها وتقاليدها. إنها مظهر ديني
ثقافي لكتلة من المجتمع تتمثل فيها جميع فئاته ينوعها هذا المظهر الديني الثقافي
الذي يشمل المجتمع كله، ويتعدى حدود الطوائف بأسرها.. والولاء الطائفي بهذا المعنى
ليس ضد الولاء الوطني، بل هو موازٍ له ومحتوى فيه....» ([101]).
فالطوائف نوافذ حضارية على حد تعبير الإمام موسى الصدر فقد جاء على لسانه «أنه من
يظن أن وجود الطوائف المختلفة في لبنان وتنظيم شؤون هذه الطوائف من أسباب ضعف
الإحساس الوطني القومي. فقد ينظر إلى هذا الأمر من خلال زاوية ضيقة، بل الطوائف
المختلفة المنظمة منطلقات للتعاون ونوافذ حضارية على مكاسب لمليارات من البشر في
هذا العصر وفي العصور الماضية، حيث تدخل هذه التجارب على لبنان وتتبادل، وتكون
جسماً واحداً لا يمكن أن ينقص عضو منه، وبالتالي يقوي الوحدة الوطنية والإنسانية»([102]).
إن قوانين
الأحوال الشخصية وجميع المؤسسات الدينية الخاصة، (أماكن العبادة، والأوقاف،
ومؤسسات رعاية الأيتام، والمدارس التابعة للأوقاف...) إنما هي مظهر للطائفية
الدينية في المجتمع اللبناني.
أما الطائفية
السياسية، والتي هي علة العلل ليست ذات منشأ ديني لعدم وجود رابط حقيقي بين
الطائفية الدينية والطائفية السياسية، لسبب جلي وواضح وهو أن الأولى لا تنتقص من
العدالة تجاه الفرد بما هو إنسان فرد وبما هو جزء من طائفته، في حين أن الثانية
كانت ولا تزال سبباً في توليد الشعور بالدونية لدى المواطن اللبناني، وتشعره بعدم
الإحساس بمواطنيته على اعتبار أنه لا يستطيع نيل أي حق من حقوقه إلا عن طريق
الطائفة التي ينتمي إليها، وبالقدر المحدد لهذه الطائفة عرفاً بالنسبة لعدد
أفرادها.
وقد نشأت
الطائفية السياسية في ظل تشريع وضعي علماني (مادة 95 من الدستور اللبناني)، وتعامل
النظام اللبناني مع الطوائف من كونها ممثلة في الدولة، على أساس أنها أحزاب أو كتل
سياسية وليس على أساس أنها بُنى ثقافية. فممثلو الطوائف سياسياً يدخلون إلى الدولة
والسلطة ليقننوا أو ليطبقوا قوانين ومناهج علمانية، وهذا لم ينشأ من مبدأ ديني من
هذه الطائفة أو تلك.
ومن المفيد والضروري
التمييز بين الطوائف والطائفية. فالإمام موسى الصدر يعتبر أن «الخطر ليس في تعدد
الطوائف بل في الطائفية. فالطائفية ليست مبدأ مشكوراً في الأديان، لأن الأديان لا
تدعو إلى السلبية. والطائفية عندنا هي عقدة العقد، لأنها تشكل السلبية في هذا
البلد. فالعقلية الطائفية تأخذ من الدين مركباً تمتطيه من أجل مصالحها»([103]).
ويجيب أحد كبار
رجال القانون(*)
لدى سؤاله عن آلية الربط بين الزواج المدني وإلغاء الطائفية السياسية بقوله «إن
تبني أنظمة شخصية علمانية يجب أن لا يؤدي حكماً إلى إلغاء الطائفية السياسية، إذ
أنه بإلغائها ستتغير حتماً الطائفة الأكثر عدداً فتفرض إرادتها في كل مجالات
الدولة وأيضاً في مجال الأنظمة الشخصية العلمانية، فتلغيها من دون أن يتمكن أحد من
مواجهة هذا التصرف».
إن كثافة النص
والسموّ في المعنى المحمول بتعابير إنشائية ومباني عربية ومباني لغوية جميلة لم
تستطع الوصول إلى النتيجة المتوخاة، وبالرغم من الجهد المبذول في تجميع النصوص
القانونية وبلغتها الأساسية إلا إننا لم نخرج بحصيلة نهائية، فبقيت المحاولة
التجربة والتي لم تتطور إلى نظرية لتصبح قانوناً.
ففي مقدمة
كتابه([104])
الموزّعة على قضايا وبراهين، يقول الكاتب في القضية الرابعة: القانون المدني
المقصود من حيث جنسه (أي قانون له هذه الصفة يعينه العقد، أو قانوناً من حيث
ماهيته (أي مجموعة من الأحكام وافية بالغرض يتضمّنها العقد)..
وفي البرهان
على ما ورد يقول الكاتب: وبما أنه ليس لأي قانون أن يطلق الحق في الزواج!؟ وواجب
تأديته حالاً، فلا يمكن تفسير النص بما يؤدي إلى تعليق الحق، فلا احتمال لتفسيره
غير الاحتمالات التي توجب تأدية الحق حالاً وهي الواردة أعلاه.
والإشكالية حول
ما أورده الكاتب تقوم حول مفهوم الحق ومن يوجده فإذا كانت مصادر الحق محددة إما
بالقانون بشكل غير مباشر، وإما بالوقائع والتصرفات القانونية.
والإشكالية
تكبر أكثر عندما يعتبر الكاتب في القضية السابعة التي أوردها ويقول فيها: «في أي
حال، حمة الزواج ليست مشروطة بوجود قانون بتشريع لبناني عادي»!؟..
وبرهانه: إن
واقع الزيجات المسيحية على الأراضي اللبنانية، وواقع زيجات اللبنانيين خارج لبنان،
وإلا كانت هذه الزيجات غير صحيحة.
فالقضية خارج
المنطق القانوني والبرهان يحتاج إلى برهان.
والنتيجة التي
يمكن استخلاصها من الملاحق التي وردت في خاتمة الكتاب تشكل ردًّا بليغاً على كل ما
أورد الكاتب في كتابه من حيث أن مقدماته وبراهينه لا تشبه النتائج إطلاقاً.
ففي الخلاصة
نورد ما يلي:
أ- محاذر شطب
المذهب في سجلات الأحوال الشخصية:
1. إن شطب المذهب
لا قيمة قانونية له، ما لم يبرز أصحاب الشأن مع طلباتهم الصك التشريعي المتعلق
بالاعتراف بطائفتهم، وهذا ما ورد في المادة 15 و16 من القرار رقم 60 ل.ر. الصادر
سنة 1936 معطوفتين على المادة 6 من القرار نفسه.
2. إن النظام الذي
تأسست عليه سجلات الأحوال الشخصية (مرسوم رقم 8837 تاريخ 15/1/1932) قائم على
القاعدة الطائفية، ولا يوجد بينها ما هو مخصص لغير المنتمين إلى الطوائف التاريخية
المعترف بها في القانون اللبناني.
3. إن شطب المذهب
أو الدين ينتج اختلاف الدين والذي يشكل مانعاً من موانع الإرث (المادة 9 من قانون
الإرث لغير المحمديين الصادر بتاريخ 23/6/1959) (والأحكام والمبادئ الشرعية المتعلقة
بالإرث لدى الطوائف الإسلامية).
4. أنه يؤدي إلى
حالة ضياع وإرباك وفوضى في ظل عدم وجود نظام مدني يرعى قضايا الأحوال الشخصية لفئة
الأشخاص الغير منتمين إلى الطوائف المعترف بها.
ثم إنه يؤدي
إلى حرمان هذه الفئة من حقوقها السياسية المتمثلة في الترشح والانتخاب للمجلس
النيابي.
والنتيجة
النهائية لهذا العمل هو أنه أمر غير مجد في ظل عدم وجود نصوص قانونية تجيز ذلك.
والمفاعل المترتبة عن شطب القياد الطائفي في سجلات الأحوال الشخصية تعني صاحب
العلاقة وحده، ويتحمل وزرها وحده لا أكثر ولا أقل ونقطة على أول السطر.
ب- تنظيم وثيقة الزواج:
إن تنظيم وثيقة
الزواج أمر إجرائي شكلي، وليس أمراً جوهرياً، والدليل وجود عدد لا بأس به من
مكتومي القيد الذين تزوج أهلهم ولم يسجّلوا زواجهم، وبالتالي لم يوثقوا ولادة
أولادهم، فهل أن هذه الزيجات غير شرعية، وبالتالي ألا يمكن الاعتراف بالأولاد من
خلال دعاوى قانونية يتقدم بها الأولاد ضد آباءهم.
ثم هل إن عق
الزواج أمام كاتب العدل يعتبر نصراً!؟
وعالم
الدين عند المسلمين شاهد وليس عاقد، وبالتالي يمكن أن يكون الكاتب بائع متجول، وما
كتبه مقبول إلا أنه يحتاج إلى تصديق المحاكم الشرعية.
ثم
إن الإفادة القانونية الموقعة من الدكتور إبراهيم فضل الله اشترطت على الزوجين أن
يعينا في عقد زواجهما القانون المدني الذي يرعى هذا الزواج، فما هي قيمة العقد
الموقع أمام كاتب العدل من الناحية الموضوعية؟
ج-
إقرار الزواج المصادق عليه من الكاتب العدل
1. في تعريف الزواج الصادر عن رئيس
هيئة التشريع والاستفتاءات في وزارة العدل تاريخ 10/12/2012 ورد ما يلي: «إن
الزواج هو عمل قانوني ذو طابع رسمي يقيم بموجبه رجل وامرأة اتحاداً، تنظمه بصورة
إلزامية القوانين سواء فيما يتعلق بشروط عقده أو بأصول انحلاله أو النتائج التي
تترتب عليه.
2. لا يمكن عقد الزواج عن طريق
استعمال القياس أو المقارنة في مجال يعود تنظيمه للقانون وحده، الأمر الذي يستوجب
صدور قانون لم يصدر حتى اليوم ومعه يتحول الوصف القانوني للزواج المعقود أمام كاتب
العدل إلى عقد مساكنة وليس زواج.
د- في الاستشارة الصادرة عن الهيئة
الاستشارية العليا بتاريخ 11/2/2013
ورد أنه إذا
كان من حق اللبناني الذي لا ينتمي إلى طائفة ما أن يعقد زواجاً مدنياً في لبنان
أمام كاتب العدل، إلا أنه لا بد أن يعين القانون المدني الذي يتم اختياره يدعى عقد
زواجه بالنسبة لآثار الزواج ولا سيما الآثار الشخصية والمالية لهذا الزواج.
والنتيجة أنه
لا يوجد قانون زواج مدني في لبنان.
بقي أن نقول إن
التجربة التي أجريت على الزوجين (درويش، سكرية) لم تكرر على زوجين من الطائفة
المسيحية، لأن من أجرى التجربة يعلم حق العلم بأنه سيصطدم أولاً بالنص القانوني
الوارد في المادة 16 من قانون 2 نيسان 1951 والذي ينص على أنه «باطل كل زواج يجريه
في لبنان لبناني ينتمي إلى إحدى الطوائف المسيحية أو الطائفة الإسرائيلية أمام
المرجع المدني».
وبالتالي فإنه
لا مساغ للاجتهاد بوجود النص. ثم إنه ثانياً سيصطدم بالرفض القاطع والحازم
للكنيسة، يراجع المطلب الثالث من الكتاب نفسه.
قبل أن نأتي على ختام هذه الدراسة، لا بد من تلخيصها للخروج بنتائج منها،
ولوضع بعض المقترحات على ضوء ما كتبنا، لعلنا نكون قد عالجنا هذه الموضوعات، في
صورة واضحة ومركزة وقريبة من الأذهان.
أ- خلاصة الدراسة والنتائج:
الزواج في لبنان ينظم عبر عقود دينية فقط، ولا وجود لعقد زواج علماني
(مدني)، وبالتالي فإنه لا يوجد في لبنان قانون موحد للأحوال الشخصية، لأن الدولة
أعطت للطوائف والمذاهب مهمة التشريع والقضاء في شؤون الأحوال الشخصية، وهذه
القوانين تتعلق بالنظام العام فلا يجوز للأفراد تعديلها أو الاتفاق على ما
يخالفها.
غير أنه وبشكل استثنائي، فإنه بإمكان اللبناني أو اللبنانية عقد زواج مدني
خارج لبنان، ثم تسجيله في الدوائر الرسمية اللبنانية، على ألا يتعارض هذا العقد في
نتائجه، مع ما ورد في أنظمة وقوانين الأحوال الشخصية للطوائف الإسلامية.
ومن المفيد القول أن عقد الزواج نفسه ليس مشكلة ما دام معلناً، ولكن
المشكلة في نتائجه، وخاصة لو كان عقد الزواج علمانياً (مدنياً) فماذا ستكون عليه
النتائج؟
العلمانية بين المسيحيين والمسلمين:
بالعودة إلى الإحصاءات المتعلقة بالزواج المدني، والتي أجرتها الشركات
المختصة بالإحصاءات لمصلحة بعض الصحف اللبنانية، فإنه يتبين لنا أن نسبة المؤيدين
للزواج المدني كبيرة لدى الطوائف المسيحية، بينما المؤيدون له من الطوائف
الإسلامية قليلون، وقد يكون السبب في ذلك، أن أكثر الداعين إلى علمنة الأحوال
الشخصية ينتمون إلى الطوائف المسيحية، وإن أكثر المناهضين للعلمنة، ينتمون إلى
الطوائف الإسلامية، ولذلك أسباب متعددة تعود إلى طبيعة كل من العقيدتين الإسلامية
والمسيحية.
فالدين المسيحي يعتبر أن تكوين الأسرة عن طريق الزواج له صورتان الإلهية
والبشرية، ويتجلى ذلك في القول بالتثليث، وبأن الإنسان خُلق على صورة الله، وبأن
الله أبونا الذي في السماء، وما إلى ذلك. والإلهي قد يكون بشرياً على الأرض،
والبشري على الأرض قد يكون إلهياً. ولهذا كان الباباوات يعتبرون خلفاء لبطرس،
وبطرس خليفة للسيد المسيح u الإله الإنسان في المعتقد المسيحي. لكنهم كانوا على
تقديسهم لذلك يمارسون نظاماً بشرياً سمي في القرن السادس عشر الميلادي بالحكومة
الباباوية. وهذا المزج الإلهي البشري، إضافة إلى انتشار حركات التجديد في الديانة
المسيحية (لوثر وكالفن)، والتي ظهرت في بداية القرن السادس عشر الميلادي، وانتشرت وزاد
عدد أتباعها، قد سمحت على ما يبدو بأن تخضع الكنيسة لأحكام دولة نابليون بونابرت
سنة 1801 م، وبأن يتنازلوا عن السلطة للدولة سنة 1905م، يوم تم الانفصال بين
الدولة والكنيسة، وبأن توطد البابوية الصلة بالجماعات العلمانية، ولأجل هذا كان من
الممكن قبول فكرة اعتبار المسيحي علمانياً مؤمناً، وأن يظهر الفصل بين ما هو
كهنوتي وما هو علماني فصلاً وظيفياً. فالكهنوتي جزء من السلك الكنسي أو ملاكه،
والعلماني خارج هذا الملاك، والكل في النهاية أبناء الله يجمع بينهم الإيمان
ويفرقهم الكفر.
أما في الإسلام فالأمر مختلف، لأن الحدود بين الإلهي والبشري صارمة، فالله
واحد لا شريك ولا ابن له، ولا شبيه ولا نظري له. والبشري لا يمكن أن يكون إلهياً،
والإلهي لا يمكن أن يكون بشرياً لا في الأرض ولا في السماء.
فالرسول (ص) وأهل بيته وأصحابه هم بشر، وعباد الله كما هي كحال جميع
المسلمين. لذلك كان التفريق بين الديني والعلماني، تفريقاً جوهرياً وليس وظيفياً، فلا
يوجد في الإسلام ملاك كهنوتي، ومن هم خارج هذا الملاك، بل فيه نطاقان: ما هو داخل
الدين، وما هو خارج الدين، إضافة إلى أمر جوهري آخر، وهو أن الإسلام يتميز عن
المسيحية بكونه شرعاً للدنيا والآخرة (دين ودولة). في حين أن المسيحية في نظر
المسيحيين شرعت للآخر وحدها «فما لله لله وما لقيصر لقيصر» استناداً لهذا الأمر، فقد
كان في وسع المسيحي أن يضع القوانين خارج دائرة الكنيسة وأن يفرضها على الكنيسة
نفسها، من غير أن يبدو ذلك مخالفاً لطبيعة التفكير المسيحي. أما المسلم فلا يستطيع
أن يفرض قانوناً خارج نطاق الشريعة ومصادرها إلا عند الضرورة.
ومن الجدير ذكره هنا أن الكنيسة في الغرب، والتي ارتضت أن تكون خارج
السلطة، لم تزل في المشرق العربي ذات قوة مؤثرة. وقد يعود الأمر إلى تجاوز الكنيسة
مع محيطها الإسلامي حيث يحضر الدين وبقوة في المجتمع. ولكن السؤال المطروح يبقى
منتظراً إجابة ما، عن مدى تشابه أو تنافر الزواج الديني مع الزواج المدني؟
ب- المقترحات
تتعدد المقترحات وتتفاوت من حيث الأهمية إلا أن هناك أولويات يجب أخذها بعين الاعتبار والإجابة عليها حتى لا تبقى في دائرة التساؤلات ومن هذه الأولويات:
أولاً: إصلاح الخل في أعمال المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية وهذا الإصلاح يتم من خلال المعالجات التالية:
أ- إطلاق يد التفتيش العدلي لتصويب عمل المحاكم إدارياً وبالحد الأدنى، وتعديل المادة 459 من قانون المحاكم الشرعية والتي من شأنها بنصها الحالي جعل أيدي المفتشين مغلولة من اتخاذ أي إجراء بحق أي قاضٍ مهما بلغت أخطاؤه المسلكية، نظراً لأن حق الإحالة على المجلس التأديبي - وهو التدبير الوحيد الممكن اتخاذه - محصوراً عملاً بأحكام هذا النص بمرسوم سياسي، الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة لمبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء.
فمن غير الجائز إضفاء صفة القداسة على عالم أو رجل دين لمجرد تربعه على كرسي القضاء، بل يجب إخضاعه للتفتيش والمساءلة.
ب- إلحاق المحاكم الدينية المستقلة عن الدولة بوزارة العدل وجعلها تابعة لمؤسسات الدولة بدلاً من استقلالها كلياً عن الدولة.
ج- إفساح المجال أمام من يملكون المؤهلات الشرعية والقانونية للعمل في مجال القضاء الديني، دون أن يقتصر الأمر على من يرتدون الزي الديني فقط طالما أن لا كهنوت في الإسلام.
ثانياً: العمل على توحيد قوانين وأنظمة الأحوال الشخصية، ضمن كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية عن طريق تشكيل لجان متخصصة لوضع حد للخلافات المذهبية وذلك من أجل تسهيل الحوار بين الديانتين حول قوانين الأحوال الشخصية وإمكانية إيجاد قانون موحد على مستوى الوطن يجوز فيه الانعطاف عن المواد التي تشكل مسلمات دينية لا يجوز المس بها لدى كل من الديانتين.
ثالثاً: إصدار مجلة تهتم بنشر اجتهادات المحاكم الدينية نظراً لأهمية هذه الاجتهادات في دراسة القوانين والاجتهادات المقارنة، وفي حال عدم التمكن من ذلك، إفساح المجال لهذه الاجتهادات في النشرة القضائية التي تصدر عن وزارة العدل.
رابعاً: وضع تنظيم موحد للمحاكم الدينية يكون من شأنه توحيد عدد درجاتها، وأصول تشكيلها، وأصول المحاكمة لديها وطرق اختيار قضاتها وإخضاعها للرقابة الفعلية التي تضمن سير العمل فيها.
خامساً: إيجاد صندوق تعاضد للمساعدين القضائيين الشرعيين، على غرار صندوق تعاضد المساعدين القضائيين العدليين، لقطع دابر الجابية غير المشروعة المفروضة على أصحاب المعاملات والمتقاضين.
وبكلمة موجزة نقول أن قسماً كبيراً من المشكلات والهموم الذي تواجهه الأسر هو في مصادرة الحقيقة، ينتمي إلى أزمة المجتمع الذي تقوم العلاقات فيه على أساس الغالب والمغلوب، وغياب حق الإنسان بالحياة الحرة الكريمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق